نظمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب اليوم الاربعاء 24 أفريل 2024 بمبادرة من لجنة المالية والميزانية، يوما دراسيا برلمانيا حول "المشروع الاستثماري للربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا"، أشرف عليه السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، بحضور السيدة سوسن المبروك نائب رئيس المجلس، والسيد عصام شوشان رئيس لجنة المالية والميزانية وعدد من النواب والضيوف من اطارات وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة الصناعة والطاقة والمناجم.
وبيّن السيد ابراهيم بودربالة في كلمة بالمناسبة أنّ هذا اليوم الدراسي يندرج في سياق التمشي الذي اعتمده المجلس من حيث اعتبار الأكاديمية البرلمانية فضاء للحوار بين النواب والكفاءات الوطنية في مختلف المجالات وخاصة عند عرض مشاريع القوانين تجسيما للتفاعل الإيجابي بين الوظيفتين.
وأكّد أن هذه البادرة تهدف إلى تعميق النظر في مختلف المبادرات التشريعية واستيعاب أبعاد كل مشروع أو مقترح قانون للتوصّل إلى القرارات الصائبة بشأنه خدمة لمصلحة الوطن.
وبين أن هذا اليوم الدراسي يتمحور حول المشروع الاستثماري للربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا (ELMED)، وذلك في علاقة بمشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية الضمان المبرمة بتاريخ 13 ديسمبر 2023 بين الجمهورية التونسية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والمتعلقة بالقرض المسند من قبل الصندوق الأخضر للمناخ لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز للمساهمة في تمويل مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا وتطوير منظومة الطاقات المتجددة.
وشدّد رئيس مجلس نواب الشعب من جهة أخرى على ما تزخر به تونس من كفاءات وطنية في مختلف الميادين، مبرزا انفتاح المجلس عليها والتحاور معها والاستفادة من خبراتها بما يجعل المشرّعين على دراية تامّة بكل خصوصيات وأهداف التشريعات المعروضة على أنظارهم، وبما يثري عمل مجلس نواب الشعب ويدعمه، ويسهم بالتالي في استرجاع ثقة المواطن في المؤسسة البرلمانية.
ثم أكّد السيد عصام شوشان رئيس لجنة المالية والميزانية أهمية هذا المشروع الذي سيمكّن من الترفيع في القدرات الوطنية لإنتاج الكهرباء، ويشجع الاستثمار في مجال الطاقات المتجدّدة بما يساهم في تحقيق التحوّل الطاقي. وذكّر بمسار عرض اتفاقية تمويل المشروع على أنظار اللجنة موضحا أن تساؤلات النواب واستفساراتهم صلب اللجنة تمحورت حول أسباب الترفيع في الكلفة الجملية للمشروع ما جعل اللجنة تقرر عقد هذا اليوم الدراسي مع الخبراء المعنيين وجهة المبادرة لمزيد التوضيح.
وأوضح أن الكلفة الجملية للمشروع الذي تضمّنها شرح أسباب مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية الضمان المبرمة بتاريخ 22 جوان 2023 بين الجمهورية التونسية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والذي وافقت عليه اللجنة وتمت المصادقة عليه في الجلسة العامة بتاريخ 30 جانفي 2024 تقدر بحوالي 964.2 مليون أورو ثم تم تحيينها في مشروع القانون المعروض على اللجنة حيث ارتفعت الى 1014 مليون أورو.
وقدّم السيد محمد الناصر براهم مدير عام القطاعات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد والتخطيط، مداخلة تضمّنت احصائيات حول الوضعية الطاقية الحالية، مؤكّدا انخفاض موارد الطاقة الأولية بحوالي 7% سنويا خلال الفترة 2010-2023 مقابل ارتفاع الطلب على الطاقة الأولية بأكثر من 2% سنويًا خلال نفس الفترة. كما بين حجم عجز ميزان الطاقة الأولية الذي تضاعف 8 مرات تقريبًا ليرتفع من 0,6 مليون ط.م.ن سنة 2010 إلى 4,7 مليون ط.م.ن سنة 2023.
كما قدّم معطيات حول الاستراتيجية الجديدة للانتقال الطاقي التي تندرج في أفق سنة 2035 وتهدف إلى بلوغ الحياد الكربوني للبلاد بحلول سنة 2050 تماشيا مع تعهدات تونس في إطار اتفاق باريس. وأوضح أن أهداف الاستراتيجية تتمثل في تنويع المزيج الطاقي من خلال إدماج الطاقات المتجددة وتسريع إنجاز برامج النجاعة والرصانة الطاقية، فضلا عن التكامل الإقليمي وتعزيز الترابط الكهربائي مع دول الجوار والدول الأوروبية، وتطوير تكنولوجيات جديدة على غرار الهيدروجين الأخضر والتنقل الكهربائي وتخزين الكهرباء.
كما استعرض مراحل تنفيذ هذه الاستراتيجية وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني واليات التمويل التي ستكون مرتكزة على القطاع الخاص في شكل قروض من بنوك تجارية،
وقدّم من جهة أخرى معطيات حول "المشروع الاستثماري للربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا" واليات تمويله وفوائده على الاقتصاد الوطني. وبين انه يتمثل في ربط كهربائي بين تونس (الوطن القبلي) وإيطاليا (صقلية).
واضاف ان المشروع يتضمن بناء محطة للتحويل المزدوج من التيار المستمر إلى التيار المتردد بجهة منزل تميم وخطين هوائيين بجهد 400 كلف للربط بين محطة التحويل المحدثة ومحطة الضغط العالي بالمرناقية. وأضاف بخصوص تمويل المشروع انه سيكون من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الإيطالية TERNA مع إمكانية تمويل جزئي في شكل هبة من الاتحاد الأوروبي.
و أكد ان هذا المشروع سيمكّن من رفع قدرة تونس على النقل المتبادل للكهرباء مع أوروبا ،وتعزيز الأداء المالي لشركات إنتاج الكهرباء وتحسين جودة الخدمة، وخفض تكاليف الطاقة التي تتحملها تونس، فضلا عن تسريع الانتقال إلى نموذج جديد للطاقة أكثر كفاءة ومرونة ومنخفضة الكربون.
وتطرق الى الفوائد الاقتصادية التي سيضمنها هذا المشروع، على غرار تعزيز التحول الطاقي بتونس، وإتاحة تصدير الطاقات المتجددة و تقليل العجز الطاقي، فضلا عن تعزيز الاندماج الإقليمي الطاقي.
أما بخصوص المستفيدين من المشروع، فأوضح انهم سيكونون من مستهلكي الكهرباء الحاليين والمحتملين في تونس وإيطاليا وأوروبا الذين سيستفيدون من إمدادات مستقرة للكهرباء ومستدامة وفعالة من حيث التكلفة، وذلك من خلال خفض تكاليف إنتاج الكهرباء كما سيسهم المشروع بالخصوص في خفض العجز المالي الحالي للشركة التونسية للكهرباء والغاز، وفي تخفيف العبء على المالية العمومية.
ثم تطرّق مدير عام القطاعات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد والتخطيط،الى المراحل التي وصل اليها المشروع حسب الدراسات الأولية، مبينا انه تم إجراء المرحلة الأولى لطلبات العروض المتعلقة بالكابل البحري تحت أرضي ومحطة التحويل في سنة 2023، على أن تتم المرحلة الثانية خلال سنة 2024.
و بخصوص اليات التمويل أوضح أنه تم التوقيع على عقدي التمويل مع البنك الدولي بخصوص محطة التحويل وصندوق المناخ الأخضر تباعا في 22 جوان 2023 و13 ديسمبر 2023. كما تم التوقيع على اتفاقية الهبة الممنوحة من قبل المرفق المالي الأوروبي في 8 أوت 2023.
و أضاف أنه تمّ من جهة أخرى التفاوض على عقود التمويل مع الجهات المانحة الأوروبية وهي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنك التنمية الألماني خلال نوفمبر وديسمبر 2023، وقد تمّ توقيعها لاحقا. وتمّ الانتهاء من الانتقاء الأولي بالنسبة لمحطة التحويل والكابل البحري في موفى مارس 2024، مع بلوغ مرحلة متقدمة من إعداد كراسات الشروط لبقية طلبات العروض.
كما قدم خلال العرض معطيات بخصوص هيكلة وتمويل المشروع وتوزيع التمويل حسب المكونات فضلا عن المخطط التفصيلي للتنفيذ الذي سيكون استكماله في سنة 2028 عبر عدة مراحل.
وأكّد أهمية مراجعة الإطار التشريعي، لتشمل التعديلات الأحكام الضريبية المطبقة على هذه المشاريع والتي يجب أن تكون معادلة لخط أنابيب الغاز العابر للبلاد التونسية، مع الإعفاء من الرسوم والضرائب مقابل رسوم عينية أو نقدية.
وخلال النقاش طرح النواب عددا من التساؤلات المتعلقة أساسا بتأثير المشروع على السيادة الوطنية لا سيما ان هذا الاستثمار ضخم وبتمويل أجنبي وسينجز على الأراضي التونسية وسينتفع به مستهلكو الكهرباء الحاليون والمحتملون في تونس وإيطاليا وأوروبا.
كما طرحوا استفسارات عن مدى الانتفاع الحقيقي للدولة التونسية بهذا المشروع ولا سيما من حيث الادماج الطاقي. كما تساءلوا عن طاقة استيعاب الشبكة الطاقية و مدى الجاهزية لتخزين الكميات غير المستعملة من الطاقة. وطالبوا بمزيد من التوضيحات حول دور الشركة التونسية للكهرباء والغاز في هذا المشروع، مؤكّدين أهمية تشريكها في انتاج الطاقة بدل شركات أجنبية. كما تساءلوا بخصوص الأطراف التي من حقّها استغلال المنتوجات الطاقية لهذا المشروع لا سيما في علاقة بشركات الخواص المنتصبة في تونس.
و طرح النواب عددا من الاستفسارات حول استراتيجية الدولة بخصوص الانتقال الطاقي والإشكاليات القانونية للتشجيع على الطاقات المتجددة و تحفيز الاستثمارات في هذا المجال وإيلاء الأهمية اللازمة لاستعمال الطاقات الشمسية في المؤسسات الكبرى.
وشدد النواب على أهمية ان يكون المواطن التونسي المستفيد الحقيقي من هذا المشروع ولا سيما عبر التخفيض من كلفة فواتير الاستهلاك والتعويل على الذات بتشجيع المستثمرين على انجاز المشاريع في مجال الطاقات المتجددة والبديلة وتوفير الطاقة البيئية باعتبارها الحل البديل للانخراط في التوجّه العالمي نحو التقليص من انبعاثات الكربون لحماية المناخ.
وفي تفاعله مع استفسارات النواب اكد السيد بلحسن شيبوب المدير العام للكهرباء والانتقال الطاقي بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم ان هذا المشروع سيكون خطوة جديدة في مجال الانتقال الطاقي، ولا تأثير له على السيادة الوطنية.
وشدد على ان استرتيجية الوزارة ترتكز أساسا على النجاعة الطاقية فضلا عن دعم الطاقات المتجددة وتشجيع المستثمرين في الإنتاج الطاقي عبر عدد من المنظومات منها منظومة الإنتاج الذاتي ونظام التراخيص ونظام اللزمات.
اما بخصوص الاستثمارات في الطاقات البديلة لا سيما الطاقة الشمسية، بين ان صندوق الانتقال الطاقي مكّن من احداث عدد من الشركات في مجال الطاقات المتجددة غير ان طاقتها الإنتاجية ليست عالية.
وفيما يتعلق بدور الشركة التونسية للكهرباء والغاز أكد ان أولوياتها تتصل اساسا بالامن الغذائي والصحي والتعليمي و تامين الطرقات، مشددا على ان دورها في هذا المشروع الضخم سيتمثّل في نقل الكهرباء فضلا عن تأمين شبكة الكهرباء والغاز الذي هو حكر على هذه الشركة ولا يمكن للخواص القيام به.