استأنفت الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أشغالها المتعلقة بمناقشة المهمات والمهمات الخاصة من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 بحضور العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب والسيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والاقاليم وأعضاء المجلسين.
وخُصّصت الجلسة العامة المنعقدة مساء اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 لمناقشة المهمة الخاصة محكمة المحاسبات من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، وذلك بحضور السيّدة فضيلة القرقوري وكيل الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات والوفد المرافق لها.
وألقى رئيس مجلس نواب الشعب العميد إبراهيم بودربالة، كلمة في بداية الجلسة إعتبر فيها أن القضاء المالي يضطلع بدور هام في مجال مكافحة الفساد الإداري والمالي، وأوضح أن محكمة المحاسبات تختصّ بأدوار كبيرة في إطار ما هو موكول إليها وذلك في علاقة بمراقبة حسن التصرف في المال العام من خلال إعداد التقارير الرقابية والتدقيق في الحسابات، فلمحكمة المحاسبات مرجع نظر قضائي وسلطة رقابة، فضلا عن مساهمتها في تقييم السياسات والبرامج العمومية من جهة، وفي وضع التوصيات الفنيّة الدقيقة الهادفة إلى تجاوز الاخلالات وإلى إرساء مقومات الإصلاح، من جهة أخرى.
وأكّد رئيس المجلس أن الرقابة التي تمارسها محكمة المحاسبات لا يجب أن تقتصر على البعد المحاسبي والإجرائي، بل يُرتقب منها أن تتوسّع لتشمل تقييم مدى حسن إدارة الموارد العمومية وحسن استعمالها وتوظيفها، وأنّ هذا التقييم من شأنه أن يرتقي بطرق وأساليب التصرف وتحرير المبادرة بما يكفل تحقيق أقصى ما يمكن من درجات النجاعة والكفاءة.
وفي جانب آخر، وفي علاقة بالبعد الإصلاحي، أفاد العميد إبراهيم بودربالة أنّه حريّ بمؤسسات الدولة أن تعتمد التوصيات الصادرة عن محكمة المحاسبات والاستئناس بها في وضع مختلف البرامج الإصلاحية، وذلك لتفادي الإخلالات المسجّلة وتطوير وحوكمة أساليب التصرف وتحقيق المردودية المنشودة.
ثم تولّت كلّ من لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب ولجنة النظام الداخلي والحصانة والمسائل القانونية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم عرض تقريرهما المشترك حول المهمة الخاصة لمحكمة المحاسبات من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026.
وتمّ إثر ذلك الشروع في النّقاش العام في جزئه الأوّل المتعلّق بمداخلات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم برئاسة السيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وفي جزئه الثاني المتعلق بمداخلات أعضاء مجلس نواب الشعب، برئاسة السيّد أنور المرزوقي نائب رئيس مجلس نواب الشعب.
وتناول النقاش المواضيع التالية:
- أهمية التقارير الرقابية التي تصدرها هذه المحكمة وما تتضمّنه من معطيات مهمّة تتعلق بالتصرف في المال العام.
- غياب الصبغة التقريرية والإلزامية لتقارير محكمة المحاسبات يمسّ من جدواها وفاعليتها وينجرّ عنه العود لهذه المخالفات والتجاوزات.
- البطء والتأخير في إعداد ونشر تقارير محكمة المحاسبات للعموم للإطلاع عليها.
- التساؤل عن مآل التقارير الرقابية التي قامت بها المحكمة بخصوص عدد من الجمعيات والأحزاب.
- المطالبة بإعادة التوزيع الجغرافي للدوائر الجهوية لمحكمة المحاسبات بما يتماشى مع حاجيات المواطنين وتحقيق المساواة بين جميع المناطق والجهات.
- النقص في عدد القضاة وضرورة القيام بالانتدابات اللازمة.
- الدعوة إلى التفكير في حلول جذرية لمسألة أكرية مقرات محكمة المحاسبات بما يمكّن من ترشيد النفقات.
- إعتبار أن العقوبات التي تمّ تسليطها في المادة الانتخابية مجحفة والدعوة الى مراجعتها بما يتناسب مع طبيعة وحجم المخالفات المرتكبة.
وفي تفاعلها مع مداخلات النواب، أفادت السيدة فضيلة القرقوري وكيل الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات أنّ المحكمة مؤسسة رائدة في ضمان حسن استعمال المال العام ومكافحة الفساد بما يجعلها متماهية مع السياسات العامة للدولة. وذكرت أن نزاهة قضاة محكمة المحاسبات وكل منتسبيها ليست محلّ تشكيك وأن خير دليل على ذلك هي جودة أعمال المحكمة، وأكّدت عزم كل منتسبي المحكمة على الثبات على إنفاذ القانون باستعمال كل آليات القانون المتاحة.
وأوضحت السيدة فضيلة القرقوري أنّ تقارير المحكمة تتضمّن مؤشّرات اقتصادية ومالية مهمّة من بينها نسب التداين والتضخّم وعجز الميزانية وموارد الدولة. وبيّنت أنّ إعداد هذه التقارير يتمّ وفق المعايير الدولية المعتمدة وفي إطار آجال مضبوطة تقوم على قاعدة "السنة المالية + 2"، ليتمّ لاحقاً نشرها للعموم بكلّ تفاصيلها وبصيغة مُبسّطة تسهّل فهم محتواها.
وشدّدت وكيل الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات أن المحكمة تخضع للرقابة المسبقة بواسطة التأشيرة المسبقة لمراقب المصاريف العمومية وهنالك رقابة لاحقة من قبل لجنة تتكوّن من عضوين يعيّنهما مجلس القضاء المالي، بالإضافة إلى التدقيق الداخلي الذي يهدف إلى حوكمة عمل المحكمة.
واعتبرت أن ميزانية المحكمة لا تثقل كاهل الدولة، بل تعتبر استثمارا في تعزيز الرقابة على حسن التصرف في مال المجموعة الوطنية في مختلف القطاعات على غرار النقل والصحة والشؤون الاجتماعية والتربية، حيث تهدف هذه الرقابة إلى الوقوف على الأخطاء والتجاوزات التي قد ترتقي في بعض الحالات إلى جرائم.
وأوضحت السيدة فضيلة القرقوري أن الفرق بين دائرة المحاسبات ومحكمة المحاسبات يكمن في مجال التدخّل، إذ ترصد المحكمة حالات الفساد بصفة استباقية من خلال النقائص التي تشخّصها في إطار أدائها لمهامها.
وأبرزت أن المحكمة اكتشفت من خلال البحث والتقصي أن عديد الجمعيات إنتفعت بأموال طائلة من جهات أجنبية، وفي ظلّ غياب نظام معلومات شامل يمكّن الدولة من معرفة حجم هذه التمويلات، ينبغي سنّ الإطار القانوني الذي يضمن للدولة متابعة ومراقبة عمل الجمعيات وسائر مختلف مكونات المجتمع المدني.
كما أشارت وكيل الرئيس الأول أن المحكمة شرعت في عدة إصلاحات منها دعم تكوين منتسبي المحكمة من خلال اللجوء إلى التعلّم عن بعد عبر منصّة رقمية، كما أبرمت المحكمة اتفاقية مع الجامعة الرقمية لتطوير هذه المنظومة ووضعها على ذمة الهياكل العمومية كالوزارات وغيرها.
وأكّدت السيدة فضيلة القرقوري أنّ الرقابة ليست هدفا في حدّ ذاتها وإنما هي غاية لتحقيق الشفافية والمحاسبة من أجل الحفاظ على أموال المجموعة الوطنية، ويبقى الهدف الأسمى هو إرساء هياكل عمومية تعمل وفق مبادئ الحوكمة الرشيدة.
وثمنت في ختام مداخلتها التواصل مع الوظيفة التشريعية، مؤكدة أنّ كل المقترحات والآراء من شأنها أن تساهم في تطوير عمل محكمة المحاسبات بما يضفي على أدائها نجاعة أكبر.