* ضرورة أن يُرفق المجهود الاجتماعي والإنساني بمجهود اقتصادي وتنموي يُمكّن من استعادة نسق النمو بشكل تصاعدي وتطوير هيكلية الاقتصاد الوطني وتحسين تنافسيته.
افتتح السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب صباح اليوم الأربعاء 5 نوفمبر 2025 أشغال الجلسة العامة المشتركة لمجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والاقاليم والمخصّصة للنظر في مشروع قانون المالية لسنة 2026 في جزئها الأوّل المتعلّق بمناقشة مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026 وبمناقشة المهمات والمهمات الخاصة.
ورحّب في بداية الكلمة التي ألقاها بالمناسبة باسمه الخاص وباسم كافة أعضاء مجلس نواب الشعب وباسم رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم وكافة أعضائه، بالسيدة سارة الزعفراني الزنزري رئيسة الحكومة وبكافة أعضاء الحكومة، متمنّيا لهم جميعا التوفيق في مهامهم.
وأكّد رئيس مجلس نواب الشعب ما يحدو الجميع من عزم على تحقيق الغايات التي تتقاسمُ وظائف الدولة مسؤولية بلوغها. وشدّد على الانخراط الجماعي خلال هذه الفترة المفصلية في تاريخ البلاد في مسار البناء والتشييد، مع التعويل على القدرات والطاقات وعلى مضاعفة الجهد ومواصلة العمل الدؤوب والجاد من أجل الوفاء بالالتزامات أمام الشعب، مع التشبع بالقناعة بحتمية الإصلاح والايمان بضرورة مزيد تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة والذود عن سيادة الوطن وكرامة أبنائه.
وابرز التطلّع الى أن تكون هذه الجلسات حافزا على التجديد والإضافة من أجل التصدّي للتحديات الماثلة بمزيد من التصميم والمثابرة وأداء المهام على الوجه الأفضل وتحقيق ما يرنُو إليه الشعب الذي حلم وانتظر ومن حقّه أن يرى آماله مجسّدة على أرض الواقع.
وبيّن السيد إبراهيم بودربالة أنّ النظر في مشروع قانون المالية ومشروعي ميزانية الدولة والميزان الاقتصادي لسنة 2026 من الاستحقاقات الرئيسية التي تُميّز العمل المشترك لمجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم في ضوء المقتضيات الدستورية وفي إطار أحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المنظّم للعلاقة بينهما. وأكّد أنّها مناسبة سنوية لمُحاورة الحكومة والتعمُّق معها في مجمل سياسات الدولة وخططها الإصلاحية وبرامجها الاستراتيجية والمستقبلية، وأنّها مجال لتقديم مقترحات التطوير والاثراء، والخوض في كلّ ما يتعيّن القيام به من أجل تلبية الحاجيات الأساسية للمواطن بمختلف ربوع البلاد.
وأضاف انه كذلك مجال للتباحث حول المسائل التي تتصل بخلق الثروة ودعم الاقتصاد والقطاعات الإنتاجية ودفع الاستثمار لاسيما في المجالات الواعدة والمُجدّدة، فضلا عن تكريس مقوّمات التنمية المستدامة ودعم إجراءات مقاومة التهرّب الجبائي. وأكّد ضرورة أن تتنزّل مختلف التدابير التي يُمكن اتخاذها للغرض في إطار يأخُذ بعين الاعتبار ما تفرضه الإكراهات ومتطلبات التحكّم في التوازنات المالية وتأكيد سيادة واستقلالية القرار الوطني، وفي إطار جُهدٍ مُوحّد لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
كما أكّد وعي الجميع بما تقتضيه المرحلة التي نُقبل عليها من بذل واجتهاد لتعزيز الدور الاجتماعي للدولة، الذي ينبغي أن يرتكز في تفاصليه وتوجّهاته على تحقيق العدالة الاجتماعية في مختلف تجلّياتها، مبرزا ما يستدعيه ذلك من تقديم التصوّرات والمقاربات الكفيلة بتجسيم هذا التوجّه وتحقيق أهدافه. وشدد على إدراك نواب الشعب تمام الإدراك لحاجيات المواطن وتطلّعاته وآماله وتفاعلهم الدائم معها، مع العمل بشكل متواصل على تقديم التصوّرات ومقترحات الحلول العملية التي من شأنها المساهمة في تلبيتها والاستجابة لها في أفضل الآجال.
وابرز رئيس مجلس نواب الشعب من جهة أخرى مدى التأثُّر بما يشهده العالم الخارجي وما تعرفه الساحة الدوليّة من متغيّرات وتحوّلات متسارعة تتجاوز تداعياتها الحدود القطرية لكل بلد، مؤكّدا الحرص على التعاطي معها بكلّ روية ومعالجتها معالجة مدروسة وشاملة، مع الانطلاق فيما نتخذُهُ من سياسات ومواقف من الخيارات الوطنية الثابتة والصادقة التي انخرطنا فيها والتي آمنّا بها ونستميتُ في الدفاع عنها، والتي تُعطينا الدفع لكي نستبسل في الذود، في المقام الأوّل وبكلّ ما نملك، عن حرمة الوطن وسيادته.
وابرز رئيس مجلس نواب الشعب ارتباط الرهانات على المدى القريب والمتوسط بتعزيز استدامة واستقرار المالية العمومية وإحكام ضبط أولويات الإنفاق العام والاستخدام الفعّال للموارد المالية والبشرية المتاحة، فضلا عن تحقيق الإدماج الاجتماعي وتحسين جودة المنظومة التربوية والتكوينية وتدعيم القدرة التشغيلية وتوفير العمل اللائق وتعزيز الحقّ في الصحة. واكّد في ذات السياق ضرورة أن يُرفق المجهود الاجتماعي والإنساني بمجهود اقتصادي وتنموي يُمكّن من استعادة نسق النمو بشكل تصاعدي وتطوير هيكلية الاقتصاد الوطني وتحسين تنافسيته ودمجه في سلاسل القيمة العالمية وجعله أكثر قدرة على الصمود وعلى خلق الثروة وتوفير مواطن الشغل. وأشار في هذا الصدد الى التطلّع إلى مناقشة مشروع المخطط التنموي للخماسية المقبلة، الذي نُريده أن يُجسّم بالفعل المبادئ والمقاصد الدستورية في التوزيع العادل للثروات الوطنية، وفي ضمان التوازن بين الجهات والأقاليم، وتكافؤ الفرص بين الفئات والجهات، وتعزيز مقوّمات العدالة الاجتماعية ودعائم التنمية العادلة والشاملة والمستدامة، مبرزا ضرورة استبطان هذه المبادئ والتوفّق معًا إلى وضع المقاربات والبرامج والتصورات التي تجعلُها واقعا ملموسا بما يفتح آفاقا أرحب لكلّ التونسيات والتونسيين دون استثناء.
وبيّن رئيس مجلس نواب الشعب في جانب آخر من كلمته ان بلادنا تمكنت رغم تواصل الضغوطات، من تحقيق عدد من النتائج والمؤشرات الطموحة والمتمثلة أساسا في النسق التنازلي للتضخم علاوة على التوفُّق في التحكم في التوازنات الخارجية، وهو ما انعكس إيجابيا على تدعيم المدخرات من العملة واستقرار سعر الصرف. وأضاف أنّه لا مناص من مواصلة العمل ومضاعفة الجهد لتعزيز هذا الصمود حتى يتراجع مستوى عجز الميزانية إلى ما دون 6.6% من الناتج الداخلي بما من شأنه أن يُسهم في المحافظة على ديمومة التوازنات المالية للبلاد، التي تُمثّل الركيزة الأساسية لتكريس السيادة الوطنية، ومن شأنها المحافظة على استقلالية القرار الوطني وبلوغ الأمن الاقتصادي والسلم الاجتماعي المنشودين والتأثير على وجه الخصوص إيجابيا على المقدرة الشرائية للمواطن وظروف عيشه.
وجدّد في هذا السياق، التأكيد على دقّة المرحلة المقبلة وما تتطلبه من تكاتف للجهود وضرورة وضع اليد في اليد وتأكيد صلابة وثبات الإرادة التي تجتمع عليها مؤسسات الدولة الداعمة لمسار الانقاذ والإصلاح، الذي يدخُل مرحلة جديدة غايتها تعزيز الاستقرار لوطننا العزيز والنأي به عن جميع محاولات الإرباك. وبيّن من هذا المنطلق، أنّ الواجب الوطني يدعو إلى الانخراط والمساهمة الجادة في تمشٍ استشرافي جامع يتمُّ التركيز من خلاله على تفعيل أهم الإصلاحات التي تستوجبها المرحلة لاستحثاث نسق النمو ومزيد استقطاب الاستثمارات خاصة الخارجية منها ومواصلة إصلاح المنظومة الجبائية ومقاومة الإقصاء المالي ومكافحة الاحتكار والتهريب وإدماج القطاع الموازي وتغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك وحوكمة التصرف في الموارد الطبيعية واعتماد الطرق المستحدثة لإنتاج الطاقة والحدّ من المخاطر البيئية وضمان مناخ نقيّ وسليم للأجيال القادمة، فضلا عن الارتقاء بأداء الهياكل العمومية وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة وتحرير المبادرة ومواصلة إصلاح الإدارة لتكون قاطرة لقيادة وتنفيذ الإصلاحات في شتى المجالات.
وأبرز السيد إبراهيم بودربالة حاجة تونس اليوم إلى إعلاء قيمة العمل وترسيخ ثقافة الإنجاز، وتعويلها في ذلك على وعي ووطنية جميع بناتها وأبنائها وتفانيهم في خدمتها وصون مُقدّراتها وتحقيق رقيّها من أجل بلوغ تحسّن فعلي ينعكسُ تأثيره مباشرة على المواطن بما يعزّز ثقته وأمله في غد أفضل. وجدّد في هذا الاطار تأكيد الأمانة التي تحمّلها نواب الشعب والالتزام بالعهد الذي قطعوه وبالواجب الوطني المقدّس المحمول عليهم، كما أكّد الاستعداد الأمثل لإنجاح هذا المسار، في كنف التشاركية والتناغم، والتقدّم بالمقترحات العمليّة والبنّاءة في إطار التعاون المأمول بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية، وتأكيدا لاضطلاع البرلمان بغرفتيه بمهامهما وصلاحياتهما الموكولة إليهما بمقتضى الدستور والقانون.
ونوّه في هذا الصدد بالجهد المبذول من طرف جميع أعضاء كلّ من لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب ولجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم اللتين قامتا بعمل جدّي وهام في إطار جلسات مشتركة دارت خلالها حوارات وتفاعلات مثمرة حول مختلف المسائل المطروحة لاسيما تلك المرتبطة بمتطلبات التحكّم في التوازنات المالية ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
وشدّد رئيس مجلس نواب الشعب في ختام كلمته على ضرورة المرور إلى سرعة أكبر، بكلّ حكمة وتبصّر، وفي ضوء مقاربات جديدة وفكر مُجدّد ومُبتكر، إلى الإنجاز الفعلي والملموس مع الاشتراك سويّا في العمل على ثورة تشريعية حقيقية تُعيد الأمل وتضع الحلول للمشاكل والصعوبات القائمة. واكّد أن ذلك يستلزم التركيز على الإصلاحات الكبرى والشاملة التي يجب أن تتعلّق بكل القطاعات دون استثناء، والعمل بكلّ تأكيد على حزمة من الإصلاحات التشريعية التي يُرتقب، في مقام أوّل، أن تأتي على متطلبات التنزيل التشريعي للدستور من خلال مراجعة وتنقيح التشريعات التي أصبحت غير متلائمة مع أحكامه أو غير متماشية مع فلسفته، ومن خلال سنّ تشريعات جديدة تجسيدا لجلّ المبادئ والتوجّهات الجديدة التي جاء بها دستور 25 جويلية 2022.
وبيّن من جهة أخرى أن النواب مدعوون إلى سنّ عدد من القوانين الأخرى التي تتطلّبها المرحلة والتي تتعلّق بالإصلاحات المتأكّدة والجوهرية ذات العلاقة بالشأن الاجتماعي وبإنعاش الاقتصاد ودفعه، وبقطاعات المالية ودعم الاستثمار وغيرها من الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها تحقيق القفزة النوعية المأمولة