استأنفت الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، صباح اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025، أشغالها برئاسة السيّد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، وبحضور السيّد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم والسيّد خالد السهيلي وزير الدفاع الوطني والوفد المرافق له. وتضمّن جدول الأعمال عرض ومناقشة مهمة الدفاع الوطني من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026.
وعبّر السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب في مستهلّ الجلسة عن فائق التقدير والاعتزاز بالمؤسسة العسكرية، مشيدًا بما تبذله من مجهودات جبّارة ويقظة دائمة وتفانٍ في صون حرمة الوطن والدفاع عن سيادته ووحدته. كما ترحّم على أرواح شهداء المؤسسة العسكرية الذين وهبوا حياتهم في سبيل الوطن وعلى جميع جبهات النضال ضد الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية، ومتمنيًا الشفاء العاجل لمصابي الجيش الوطني.
وأكد رئيس المجلس اعتزاز التونسيين بهذه المؤسسة التي تمثّل رمزًا للحياد والمسؤولية ونكران الذات، وتبقى حصنًا منيعًا ودرعًا واقيًا للوطن، تسهم بفاعلية في المجهودين المدني والتنموي في مختلف أنحاء البلاد.
وفي هذا السياق، نوّه بالنجاحات التي حقّقها الجيش الوطني في الداخل وفي المهمّات الأممية بالخارج، مبرزًا في الوقت ذاته حرص رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلّحة، على تطوير القدرات العملياتية والبشرية للمؤسسة العسكرية، وتعزيز الإحاطة الاجتماعية بمنظوريها، وتشريك كفاءاتها في دعم المجهود التنموي الوطني بما يضمن التنمية المتوازنة والمنصفة بين مختلف الجهات والاقاليم.
ثمّ تولّت كلّ من لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح بمجلس نواب الشعب ولجنة النظام الداخلي والحصانة والمسائل القانونية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم عرض تقريرهما المشترك حول مهمة الدفاع الوطني. ثمّ فتح باب النقاش العام، حيث تمحورت تدخّلات النواب حول المحاور التالية:
وتولّى السيد خالد السهيلي، وزير الدفاع الوطني، عقب النقاش العام، تقديم جملة من التوضيحات تفاعلاً مع تدخلات النواب، حيث تقدّم في البداية بأسمى عبارات الشكر لما عبّر عنه النواب من تقدير واحترام للمؤسسة العسكرية، مؤكّدًا حرص الوزارة على توفير مقومات النجاح للمؤسسة والعمل المشترك من أجل تحقيق ما يصبو إليه الشعب التونسي من أمن واستقرار وتنمية شاملة.
وأوضح أنّ الظرف الجيوسياسي والجيواستراتيجي الراهن يفرض أعلى درجات اليقظة والاستباق في التعامل مع التحديات، مشيرًا إلى أنّ ميزانية الوزارة شهدت زيادة بنحو 13% مقارنة بسنة 2025، وهي زيادة موجّهة أساسًا إلى دعم التجهيزات ورفع جاهزية القوات المسلحة باعتبار ذلك ضرورة أمنية واستراتيجية وطنية.
وبيّن السيد خالد السهيلي أنّ الوزارة تولي اهتمامًا بالغًا لمقترحات النواب، وستقوم بدراستها بكل جدّية لأنها تعبّر عن تطلعات المواطنين. كما شدّد على أنّ المؤسسة العسكرية تواصل عملها الميداني في مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية ومكافحة الجريمة العابرة للحدود، من خلال الاستعلام والاستباق والاستشراف والمراقبة الميدانية.
وفي هذا الإطار، تمكّنت الوحدات العسكرية خلال الفترة الممتدة من سبتمبر 2024 إلى سبتمبر 2025 من إيقاف 1880 مجتازًا غير نظامي، وحجز كميات مهمة من المواد المهرّبة ومن المخدرات، من بينها عملية تمت ليلة أمس تمّ خلالها اعتراض ثلاث سيارات وحجز 6000 قرص مخدّر. كما نفّذ جيش البحر 113 عملية إنقاذ شملت تونسيين وأجانب، في إطار جهوده المتواصلة للتصدي للهجرة غير النظامية وحماية الأرواح البشرية.
واشار وزير الدفاع إلى الجهود الميدانية المكثّفة التي تبذلها المؤسسة العسكرية في إزالة الألغام بمناطق مختلفة من البلاد، مؤكّدًا في الآن ذاته الدور الحيوي للجيش الوطني في التوقي من الحرائق والتصدي لها من خلال توفير التجهيزات والمعدّات الضرورية لذلك. كما شدّد على أنّ الوضع الأمني العام يُعدّ مستقراً مقارنة بالمحيط الإقليمي، وذلك بفضل العمليات الاستباقية واليقظة الدائمة التي مكّنت من التصدي للمجموعات الإرهابية خاصة في المرتفعات الغربية ومنعها من التمركز أو إعادة الانتشار.
وفيما يتعلّق بالمنطقة الحدودية العازلة، أوضح أنه تم تسهيل النفاذ إليها وتخفيف بعض الإجراءات الإدارية استجابة لطلبات النواب، مع تمديد آجال الدخول إلى شهر والعمل على حلّ الإشكالات القائمة. كما تعمل المؤسسة على الحدّ من التهريب في الاتجاهين وتعزيز مراقبة الطائرات المسيّرة داخل المجال الجوي التونسي، بالتنسيق مع وزارة النقل ووزارة الداخلية في إطار مشروع أمر حكومي ينظم هذه المسألة.
كما أكّد الوزير أنّ حادثة الإعتداء على أسطول “الصمود” محلّ متابعة دقيقة وتحريات متواصلة، وأنّ الوزارة تعمل على تحيين الاستراتيجيتين الوطنيتين للأمن السيبرني وللذكاء الاصطناعي لمواكبة التطورات التكنولوجية العالمية.
وأبرز أنّ العناية بالعنصر البشري تظلّ في صدارة أولويات الوزارة، من خلال تحسين الظروف المادية والاجتماعية للعسكريين، وتوفير مساكن عسكرية مع برمجة 377 مسكنًا إضافيًا للكراء خلال السنوات القادمة، فضلاً عن تسهيل اقتناء المقاسم العقارية. كما تمّ تمتيع 20 ألف منتفع بمساعدات مادية وعينية، وتقديم رعاية خاصة لعائلات الشهداء وجرحى المؤسسة العسكرية.
وأشار الوزير إلى الإجراءات الخاصة بـالعسكريين المحالين على التقاعد، حيث أوضح أنّه تمّ تخصيص مقرّ خاصّ لهم في منطقة العمران للاستماع إلى مشاغلهم وتيسير انتفاعهم بمجانية العلاج وتوفير مكتب خاص لصرف الأدوية.
وأوضح وزير الدفاع الوطني أنّ الوزارة انطلقت منذ سنة 2013 في تنفيذ برنامج خصوصي بالتنسيق مع وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، يهدف إلى نقل عدد من الثكنات العسكرية وفق مخطط مرحلي يأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الأمنية والعمرانية. كما تمّ مراجعة خارطة التواجد العسكري في إطار اللجنة المشتركة بين الوزارتين، بما يضمن حسن توظيف العقارات العسكرية وتكييفها مع حاجيات التطور العمراني والتنمية الجهوية.
وأكد وزير الدفاع الوطني على الدور التنموي للمؤسسة العسكرية في معاضدة مجهود الدولة ودفع التنمية الشاملة، مشيرًا إلى أن تجربة رجيم معتوق تمثل تجربة نجاح وطنية بامتياز، حيث تم إنجاز مساكن في 6 قرى وغراسة النخيل، وتوسيع التجربة لتشمل كامل مناطق الجنوب والصحراء. كما شهد ديوان رجيم معتوق نقلة نوعية بتوسيع مهامه لتشمل مجالات الصناعة والزراعة والسياحة، مع إعداد مخطط عمل وطني استراتيجي يمتد إلى أفق سنة 2050 يرتكز على تطوير الإطار التشريعي وبرمجة مشاريع تنموية مرحلية.
وأشار الوزير إلى إسهام الهندسة العسكرية في مشاريع وطنية كبرى على غرار تهيئة دار الثقافة ابن خلدون، وسور القيروان، وفسقية الأغالبة، مؤكدًا على استمرار التعاون مع مؤسسات التكوين المهني من خلال 13 مركز تكوين في 61 اختصاصًا و11 ورشة تدريب، بهدف تحفيز الشباب وتكوين يد عاملة مؤهلة تتماشى مع حاجيات سوق الشغل. كما بيّن أنّ الوزارة تعمل على إحداث مناطق سقوية جديدة ووضع منظومات معلوماتية في إطار مقاربة شاملة تجمع بين الأمن والتنمية المستدامة.
وأكد وزير الدفاع الوطني انفتاح المؤسسة العسكرية على التعاون الإقليمي والدولي، مبيّنًا أنّها تنخرط في برامج شراكة وتعاون مع أكثر من 24 دولة في مجالات حماية الحدود، ومكافحة الإرهاب، والحد من الهجرة غير النظامية، والتكوين والتدريب العسكري. وأوضح أنّ الوزارة تحرص على تعزيز علاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف من خلال الزيارات والتبادل مع الدول الصديقة، بما يسهم في بناء شراكات استراتيجية فاعلة.
وفيما يتعلّق بالاتفاقية العسكرية مع الجزائر، أكّد الوزير أنّها ليست اتفاقية جديدة، بل تم توقيعها منذ سنة 2001 وتمّت مراجعتها لتتوافق مع المستجدّات وتوسيع مجالات التعاون، خصوصًا في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود وتأمين الحدود المشتركة. وشدّد على أنّ العلاقات التونسية الجزائرية تقوم على تاريخ مشترك وشراكة استراتيجية ثابتة لا تحمل أي طابع سياسي أو اصطفافي، وأنّ تعزيز التعاون العسكري بين البلدين يُعدّ خيارًا استراتيجيًا يخدم أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
وفي سياق تدعيم البحث العلمي وتطوير التصنيع العسكري، أكّد وزير الدفاع الوطني أنّ المعارك الحديثة لم تعد تُحسم بالبندقية والعتاد فقط، بل بالاستشراف والذكاء والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، مبيّنا أنّ خيار دعم التصنيع العسكري يندرج ضمن استراتيجية المؤسسة العسكرية في التعويل على قدراتها الذاتية وتطوير إمكانياتها الوطنية.
وأشار إلى أنّ الوزارة أنشأت مركز البحوث العسكرية لدعم البحث التطبيقي في المجالات المتصلة بالحاجيات الخصوصية للمؤسسة، في إطار رؤية تنطلق من البحث نحو التصنيع.
كما كشف عن مساهمة الوزارة في تطوير تقنية الاستمطار الاصطناعي لمجابهة أزمة الجفاف، حيث تمّ إطلاق تجربة عملية عبر طائرة من نوع C-730 بهدف الرفع من منسوب المياه بسدّ سيدي سالم، في مبادرة تُبرز انفتاح المؤسسة العسكرية على البحث العلمي كدعامة للتنمية والاستدامة.
وفي ختام كلمته أفاد وزير الدفاع أنّ الوزارة تعمل على إعداد مقترح قانون يتعلق بالخدمة العسكرية وبلورة مشروع قانون شامل يواكب تطورات المرحلة ويستجيب لتطلعات الشباب وانتظارات مختلف الفئات، بما يُعزّز مفهوم المواطنة والمشاركة الفاعلة في خدمة الوطن.
وفي نهاية الجلسة أكد رئيس مجلس نواب الشعب في كلمة ألقاها، الإيمان الراسخ بأنّ الجيش الوطني سيواصل بذل الجهود نفسها في الذود عن حمى الوطن، بالتكامل مع سائر مكونات المجتمع التونسي، تماشيًا مع أحكام الدستور، وخاصة الفصل السابع منه. وأشار إلى أنّ القيادة التونسية اختارت بوضوح حماية السيادة الوطنية والدفاع عن تطلعات الشعب التونسي ومصالح شعوب المنطقة.
وفي هذا السياق، عبّر عن الأمل في أن تُحلّ الأزمة الليبية بحلّ ليبي–ليبي خالص، بعيدًا عن أيّ تدخّل خارجي. وختم بالتأكيد على أنّ واجب مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم يكمن في توجيه رسالة واضحة مفادها أنّ التونسيين اختاروا العمل معًا لحماية مصالحهم الوطنية وصون سيادة بلادهم.