عقدت لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري بمجلس نواب الشعب جلسة مشتركة مع لجنة القطاعات الإنتاجية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم كامل يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2026 تواصلت على امتداد ما يقارب 16 ساعة، وتم تخصيصها للاستماع إلى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري حول مشروع ميزانية المهمة لسنة 2026 وذلك برئاسة السيد بلال المشري والسيدة دلال اللموشي رئيسا اللجنتين، وبحضور السيد محمد بن سعيد نائب الرئيس اوالسيدة مريم الشريف المقررة ، والسادة عبد الستار الزارعي وحسن الجربوعي ولطفي السعداوي والطاهر بن منصور أعضاء اللجنة، بالإضافة إلى عدد من النواب من غير أعضائها.
وفي مستهل الجلسة قدم الوزير بسطة عن سير المنظومات الفلاحية، حيث بلغ انتاج الحبوب خلال موسم 2024-2025 قرابة 20 مليون قنطار أي بزيادة تقدر بنسبة 72 بالمائة مقارنة بالموسم الفارط، وأضاف أن الاستعدادات جارية لبرمجة زراعة 1,145 مليون هكتار من الحبوب بمختلف أصنافها خلال هذا الموسم.
وفيما يخص منظومة التمور فإن التقديرات الأولية للموسم 2025-2026 تبشر بصابة قياسية تبلغ 404 ألف طن أي بزيادة 16,3 بالمائة مقارنة بالموسم الماضي، وفد تم الترفيع في التمويلات المخصصة للموسم إلى 20 مليون دينار واعداد مشروع منشور لتقديم منحة خزن لـ 30 ألف طن لفائدة الفلاحين.
أما فيما يتعلق بمنظومة القوارص فقد قدرت صابة موسم 2025-2026 بحوالي 376 ألف طن مسجلة تراجعا مقارنة بالموسم الفارط بنسبة 2 بالمائة نتيجة العوامل المناخية خلال فترة الإزهار.
وبالنسبة لمنظومة الألبان فإن العجز الهيكلي في الإنتاج الوطني مازال متواصلا رغم الانفراج النسبي الذي شهده القطاع، حيث أوضح في هذا السياق أنه سيتم في القريب العاجل الانطلاق في تنفيذ البرنامج الوطني لإعادة تكوين القطيع والعمل على المصادقة على مخرجات الاستراتيجية الوطنية للنهوض بمنظومة الألبان في أفق 2035 ومراجعة ميثاق الشراكة بين القطاع العام والخاص ليصبح منصة شاملة تضمن تكاملا حقيقيا بين جميع حلقات المنظومة.
وبخصوص منظومة زيت الزيتون، أشار إلى أن الإنتاج النهائي لموسم 2024-2025 بلغ 340 ألف طن من الزيت، وانطلق الاستعداد لموسم جني الزيتون 2025-2026 منذ شهر ماي 2025 مع إقرار جملة من الإجراءات على مستوى الإنتاج والخزن والتمويل والترويج الداخلي والتصدير، وقد تراوحت أسعار الزيت على المستوى الوطني بين 10 و12 دينار للتر، وتدخل الديوان الوطني للزيت بشراء الزيت من صغار الفلاحين في إطار المحافظة على المنظومة. ويتم العمل حاليا على المتابعة الدقيقة للموسم وتفعيل الأليات اللازمة لإنجاحه.
وتم تقديم عرض حول مشروع ميزانية المهمة لسنة 2026، حيث ضبطت اعتمادات الدفع والمحمولة على ميزانية الدولة في حدود 2400 مليون دينار مقابل 2279,050 مليون دينار مرسمة بقانون المالية لسنة 2025، أي بنسبة تطور تقدر بــ 5,3%.
وتتضمن مهمة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري لسنة 2026 برنامج الإنتاج الفلاحي والجودة والسلامة الصحية للمنتجات الفلاحية والغذائية وبرنامج الصيد البحري وتربية الأحياء المائية وبرنامج المياه وبرنامج الغابات وتهيئة الأراضي الفلاحية وبرنامج التعليم العالي والبحث والتكوين والإرشاد الفلاحي وبرنامج القيادة والمساندة.
وخلال النقاش، أكّد النواب ضرورة وضع آليات لدفع العمل التشاركي بين الوظيفتين لإيجاد الحلول الكفيلة لتجاوز الإشكاليات التي يعانيها القطاع الفلاحي وخاصة على المستوى الجهوي. وتطرقوا إلى تفاقم الصعوبات والتحديات التي يشهدها القطاع الفلاحي مشيرين الى كثرة المشاريع التنموية المعطلة، وأكّدوا ضرورة التنصيص على نسبة تقدم إنجاز هذه المشاريع التنموية ضمن وثيقة مشروع ميزانية المهمة لسنة 2026 والحرص على تقييم التجارب المنجزة لضمان حسن الأداء.
وتقدموا باستفسارات وتوصيات تعلقت أساسا بالصعوبات التي يشهدها قطاع المياه وخاصة الاضطرابات المتكررة في التزود بالماء الصالح للشرب، وأكدوا ضرورة ضمان الحق في الماء كحق دستوري وفقا لمبدأ تحقيق العدالة بين مختلف الجهات والفئات خاصة في ظل تواصل وجود العديد من التجمعات السكنية بالجهات الداخلية التي لا تزال محرومة من حقها في هذا المرفق العمومي مع ارتفاع تكاليف الربط بشبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه.
كما تساءلوا عن خطة الوزارة لمجابهة خطر الشح المائي في صورة تواصل انحباس الأمطار خاصة مع انطلاق موسم الحبوب، واقترحوا إقامة سدود جوفية وتكثيف اعتماد تقنيات الاستمطار الصناعي، وطالبوا بالعمل على إيجاد حلول للآبار العشوائية المستغلة لإدخالها في مسار التنمية. كما أكدوا ضرورة وضع خطة متكاملة لإصلاح شبكة المياه المهترئة الراجعة بالنظر إلى الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، ودعوا إلى تبسيط اجراءات الحصول على رخص التزود بالماء الصالح للشرب وعدم ربطها برخص البناء والعمل على الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة وتركيز عدادات ذكية، وشددوا على ضرورة تسريع مراجعة مجلة المياه وعرضها على أنظار الوظيفة التشريعية.
واستفسروا عن برنامج الوزارة لاستكمال المشاريع المعطلة لإقامة بعض السدود وحفر آبار عميقة خاصة بالنسبة للمشاريع التي تم رصد اعتماداتها ضمن وثيقة مشروع الميزانية، وأشاروا في هذا الإطار إلى الصعوبات التي عاينها النواب خلال الزيارة التي قامت بها لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري إلى ولاية قبلي بتاريخ 24 و 25 أكتوبر 2025 والحالة السيئة التي يشهدها قطاع التمور بسبب نضوب العديد من العيون الجيوحرارية وتأخّر إنجاز الآبار التعويضية العميقة وغياب الصيانة والبطء في التدخل لإصلاح الأعطاب المتتالية بسبب تقادم القنوات واهتراء الأنابيب. هذا بالإضافة إلى اشكالية الواحات الجديدة المنجزة بمجهودات ذاتية للفلاحين والتي تتطلب التدخل العاجل لتسوية الوضعية العقارية للأراضي الاشتراكية المقامة عليها والقانونية للآبار التي تغذيها.
ودعوا إلى ضرورة وضع رؤية شاملة وواضحة لإصلاح مختلف منظومات الإنتاج الفلاحي على غرار منظومات التمور وزيت الزيتون والحبوب والقوارص والألبان والأعلاف والتحكم في مسالك التوزيع والتصدي لعمليات الاحتكار والمضاربة والإحاطة بالفلاح في مختلف مراحل الإنتاج والتمويل والتخزين وتسهيل ترويج منتوجه خارج مناطق الإنتاج. وطالبوا بضرورة الترفيع في خطوط التمويل الخاصة بصغار الفلاحين وتمكينهم من قروض بشروط ميسرة والتسريع في صرف المنح المتأخرة لفائدة الفلاحين ومراجعة مجالات تدخل صندوق الجوائح وتعويض الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية.
كما أشاروا إلى معضلة المسالك الفلاحية، ودعوا إلى ضرورة تسريع تهيئتها بالنظر إلى دورها في تسهيل نشاط الفلاح ونقل منتوجه إلى مراكز الترويج.
ودعوا إلى ضرورة دعم الإدارات الجهوية للفلاحة بالكفاءات والإمكانيات المادية واللوجستية اللازمة وتأمين دورات تكوينية لتأهيل وتأطير العاملين في القطاع الفلاحي وتنمية مهاراتهم.
واستفسروا عن استعدادات الوزارة لتأمين انطلاق موسم الحبوب، مشيرين إلى النقص الحاد في كميات البذور والأسمدة على غرار مادة الأمونيتر والـDAP، ودعوا في هذا الإطار إلى ضرورة وضع خطة للنهوض بدور بعض المؤسسات العمومية الناشطة في هذا المجال على غرار الشركة التعاونية للبذور الممتازة من أجل الحفاظ على البذور الأصلية والمشاتل الوطنية ووضع حدّ للتبعية الغذائية واستيراد البذور الأجنبية ذات المردودية المحدودة.
كما شدّدوا على ضرورة تفعيل دور الدواوين الوطنية على غرار الديوان الوطني للحبوب والديوان الوطني للزيت والديوان الوطني للأعلاف والمجمع المهني المشترك للتمور للقيام بدورهم في تعديل السوق وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
هذا، وأشاروا إلى معضلة تقلص القطيع وضرورة مضاعفة الجهود لحماية الثروة الحيوانية والتصدي لعمليات التهريب وتكثيف عمليات التلقيح والوقاية من الأمراض المعدية وتوظيف نتائج البحث العلمي لمجابهة الأمراض المستجدة سواء على مستوى الإنتاج الحيواني أو النباتي.
وأثار النواب اشكالية تراجع مساحة الغابات في تونس جراء الاعتداءات المتكررة على الملك العمومي الغابي، ودعوا إلى ضرورة مكافحة الفساد المستشري في هذا القطاع وإعادة هيكلته والحرص على تسوية الوضعيات المهنية للعاملين بهذه المناطق الغابية وفقا لأحكام قانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.
وتطرقوا إلى واقع قطاع الصيد البحري في تونس والاشكاليات التي تعرقل تطوير نشاطه على غرار مسألة التلوث البحري وغياب الرقابة على قطاع تربية الأحياء المائية والوضع المتردي للموانئ، وطالبوا بإعادة تهيئتها وإحداث موانئ جديدة لتقريب الخدمات من المواطن. كما استفسروا عن آليات توزيع فواضل صندوق الراحة البيولوجية وضرورة توجيهها لفائدة صغار البحارة، وشدّدوا على ضرورة وضع برنامج تأمين وتغطية اجتماعية لفائدة البحارة.
هذا، وأثار النواب العديد من الإشكاليات ذات البعد المحلي والجهوي في مختلف المجالات المرتبطة بالشأن الفلاحي.
وفي الردود أشار الوزير والوفد المرافق أن الوضع المائي شهد تراجعا خلال هذا الموسم نتيجة ضعف التساقطات، وأكد نجاح السياسة المائية التي انتهجتها الوزارة لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب وصمودها لمدة خمس سنوات متتالية من الجفاف، مع الإشارة إلى تواصل الجهود للاضطلاع بهذا الدور من خلال استكمال المشاريع المعطلة ومواصلة تجربة الاستمطار الصناعي حال توفر الظروف المناخية الملائمة. واكّد نجاح هذه التجربة التي قامت بها الوزارة بالشراكة مع وزارة الدفاع الوطني والمعهد الوطني للرصد الجوي خلال السنة الفارطة. مع الحرص على تأمين التزود بالماء الصالح للشرب بكل المناطق.
وبخصوص تسوية وضعية الآبار العشوائية، أفادوا أنّ الوزارة تعمل على إصدار النصوص الترتيبية المتعلقة بالإجراءات التي تضمنها الفصل 81 قانون المالية لسنة 2025. كما قدّموا توضيحات مفصلة حول مشاريع التزود بمياه الشرب في عدد من الجهات.
وبخصوص دعم منظومات الإنتاج، أشاروا إلى أنّه يتم سنويا تقييم المواسم الفلاحية للوقوف على الإخلالات والعمل على تجاوزها والاستعداد المسبق خاصة خلال مواسم الوفرة. وأكدوا على مجهودات الوزارة لإعادة هيكلة القطيع وحمايته خاصة من الأمراض المعدية.
وحول حماية الفلاح، أفادوا أنّه تمّ إصدار منشور لتيسير نقل المنتوجات الفلاحية خارج مناطق الإنتاج كما تعهد البنك التونسي للتضامن بتمويل المواسم الفلاحية.
وأضافوا بأنّه تمّ تأمين انطلاق موسم الحبوب، حيث تم وضع كميات كافية من البذور الممتازة (347 ألف قنطار) والعمل على الترفيع في هذه الكميات لتبلغ 514 ألف قنطار إضافة إلى 36 ألف قنطار من الشعير المراقب.
وبالنسبة إلى قطاع التمور، أكّدوا أهمية هذا القطاع باعتبار مساهمته الفعالة في تعديل الميزان التجاري وأن الجهود متواصلة لحماية هذا القطاع.
وفي ما يتعلق بقطاع زيت الزيتون، أوضحوا أنّ الظروف ملائمة لاكتساح أسواق جديدة خاصة مع انخفاض الانتاج في كل من اسبانيا وسوريا وتركيا وايطاليا. وأكّدوا انطلاق الديوان الوطني للزيت في شراء كميات من زيت الزيتون من قبل صغار الفلاحين بسعر قُدّر بـ11,5 مليم للتر الواحد من الزيت البكر الرفيع و11 دينار للتر الواحد من الزيت البكر.
وبخصوص قطاع الغابات، أشاروا إلى أنّ الاستراتيجية المتبعة تهدف إلى استعادة المنظومات الغابية المتدهورة وتثمين منتجاتها وأنّه يتم العمل على تجاوز النقائص.
وعن قطاع الصيد البحري، أفادوا بأنّ هذا القطاع يتمتع بدعم يتراوح بين 45 و50 بالمائة، وقدّموا معطيات وتفاصيل حول تقدم المشاريع التنموية في هذا المجال في عدد من الجهات.
وبالنسبة لتطبيق القانون عدد 9 لسنة 2025 مؤرخ في 21 ماي 2025 المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة، أوضحوا أنّه يتمّ العمل على تسوية هذه الوضعيات