لجنة المالية والميزانية تواصل النظر في فصول مشروع قانون المالية لسنة 2026

عقدت لجنة المالية والميزانية يوم الخميس 20 نوفمبر 2025 جلسة مشتركة مع لجنة المالية والميزانية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم خصّصتها لمواصلة النظر في فصول مشروع قانون المالية لسنة 2026.
وحضر الجلسة رئيس اللجنة السيد عبد الجليل الهاني ونائب الرئيس السيد عصام شوشان والمقرر السيد محمد بن حسين والأعضاء السيدة زينة جيب الله والسادة عادل بوسليمي، وماهر الكتاري، وزياد الماهر، وظافر الصغيري، ومصطفى بوبكري، ومحمد أمين الورغي، وعماد الدين السديري، ومعز بن يوسف، ومسعود قريرة، وإبراهيم حسين، إلى جانب عدد من النواب من غير أعضاء اللجنة.
وخلال الجلسة الصباحية، استمعت اللجنة إلى وزير الشؤون الاجتماعية بخصوص الفصول 20 و21 و33 و39، حيث أكّد الوزير خلال مناقشة الفصل 20 المتعلق بمواصلة العمل بالأحكام الظرفية للمساهمة الاجتماعية التضامنية، أن هذه المساهمة تمثل موردًا ظرفيا لدعم الصناديق الاجتماعية. وأشار إلى إمكانية تحوّلها إلى آلية دائمة للتمويل في ظل غياب إصلاح جذري لمنظومة الضمان الاجتماعي، مما يعمّق العجز الهيكلي. وأكّد في هذا الإطار أنّ الوزارة تشرف على إعادة هيكلة منظومة الضمان الاجتماعي لغاية تحقيق ديمومتها وتوازنها المالي.
كما أوضح أنّ الإصلاح الشامل للضمان الاجتماعي يهمّ إصدار نظام جديد لصندوق التأمين على المرض، وتحسين الخدمات، وتنويع مصادر التمويل، وتفعيل آليات الرقابة والمقاصة بين الديون. وأكّد أهمية ترشيد الإدارة والرقمنة وتطوير العلاقة مع المنخرطين، معتبرًا أن المساهمة التضامنية هي آلية تمويل ظرفية للحفاظ على توازنات الصناديق دون المس بالسلم الاجتماعي إلى حين استكمال الإصلاحات.
وثمّن النواب توجّه الوزارة نحو إصلاح شامل لمنظومة الضمان الاجتماعي، واعتبروا في المقابل أن تمديد العمل بالمساهمة التضامنية الظرفية المنصوص عليها في الفصل 20 يمسّ من الأمان الجبائي، إضافة إلى أنه إقرار ضمني بفشل الاصلاحات السابقة وعدم قدرتها على تحقيق التوازن المالي. وأكّدوا ضرورة محاسبة المتسببين في هذا العجز الهيكلي المستمر. وطالبوا في هذا الصّدد، بتقديم تشخيص مالي مفصل للصناديق الاجتماعية يشمل حجم العجز والديون ووضعية السيولة، مؤكدين ضرورة تنويع مصادر التمويل عبر إدماج القطاع الموازي في الاقتصاد الرسمي وعدم الاعتماد على الحلول الظرفية قصيرة المدى.
وبخصوص الفصل 21 المتعلق بتعزيز موارد تمويل الصناديق الاجتماعية، أعلن الوزير أن الحكومة تعمل على تطوير أنظمة الضمان الاجتماعي من خلال إحداث مساهمات تمويلية جديدة بداية من 2026، تشمل فرض مساهمة بنسبة 4 % على أرباح البنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين وشركات الاتصال ووكلاء السيارات، بحد أدنى 10.000 دينار. وأضاف أن خطة تنويع الموارد تتضمن اقتطاع دينارين عن كل يوم كراء سيارة، وفرض 0,100 دينار على كل عملية شحن للهاتف بقيمة 5 دنانير أو أكثر، بهدف توفير موارد قارة وضمان ديمومة الصناديق الاجتماعية.
وقد اعرب النواب في تدخلاتهم خلال مناقشة هذا الفصل عن قلقهم من إلزام المواطنين بدفع معاليم إضافية على الفواتير في المساحات التجارية الكبرى الذي قد يدفعهم للجوء إلى الاقتصاد الموازي، مما يعطي نتائج عكسية ويوسع السوق غير الرسمية بدلاً من الحد منها. كما طالبوا بتوضيح آليات تطبيق ومراقبة هذه الإجراءات، وتحذيرهم من أن فرض رسوم إضافية على شحن الرصيد قد يثقل كاهل محدودي الدخل، داعين إلى سياسة جبائية توازن بين تنويع موارد الدولة وحماية الفئات الهشة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وبخصوص الفصل 33 المتعلّق بإحداث "صندوق للنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة"، بيّن الوزير أن إحداث هذا الصندوق يهدف الى تمويل برامج الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئةعبر التكوين والتشغيل وبعث المشاريع. وأضاف أنّه سيتم تمويل الصندوق أساسا باقتطاع 1% من تعويضات حوادث المرور والشغل التي تدفعها مؤسسات التأمين والصناديق الاجتماعية، بالإضافة إلى الهبات والموارد الأخرى التي يسمح بها القانون.
وخلال مناقشة هذا الفصل ، اعتبر النواب أن إحداث صندوق النهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة يعتبر خطوة إيجابية لتعزيز العدالة الاجتماعية والاستقلالية الاقتصادية لهذه الفئة.
كما طرحوا تساؤلات حول كفاية تمويله المعتمد على اقتطاع 1 % من تعويضات الحوادث، مطالبين بتقديم تقديرات رقمية واضحة وضوابط حوكمة دقيقة لضمان توجيه الموارد بشكل فعال ومنع أي تمييز. كما دعوا إلى دعم هذا الصندوق ضمن رؤية شاملة تشمل تطوير البنى التحتية والخدمات لضمان الإدماج الحقيقي.
وبالنسبة للفصل 39 المتعلق بدعم المساهمة الاجتماعية للأفراد والمؤسسات، أوضح الوزير أن التشريع الجبائي الحالي يسمح للشركات والأفراد الخاضعين للنظام الحقيقي بطرح الهبات المقدمة للجهات الخيرية والعامة من الوعاء الضريبي، مع توسيع نطاق هذا الإجراء ليشمل الموظفين والمتقاعدين وأصحاب المهن غير التجارية، مما يمكنهم من طرح الهبات المقدمة للدولة والمؤسسات العامة. وأضاف انه تمت إضافة الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي والشركات الأهلية إلى قائمة المستفيدين من إمكانية الطرح الكلي للهبات، بهدف تشجيع المشاركة في تحقيق العدالة الاجتماعية.
وثمن النواب توسيع نطاق الاستفادة من الإعفاءات الضريبية للهبات في هذا الفصل، باعتباره خطوة داعمة للتضامن وتحقيق العدالة الاجتماعية، مع التأكيد على ضرورة تبسيط الإجراءات وضمان الشفافية في تتبع الأموال الموجهة للجمعيات، خاصة الناشطة في مجالات الإعاقة والرعاية الاجتماعية. كما طالبوا بوجود آليات رقابية واضحة لمراقبة الهياكل المستفيدة الجديدة مثل الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي والشركات الأهلية، وتمت الموافقة على تعديل إدراج جمعيات الطفولة وكبار السن والرياضية الصغرى ضمن القائمة.
هذا وأوضح الوزير أن إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي يتطلب وضع مخطط واضح قابل للتنفيذ يهدف الى تحقيق التغطية الاجتماعية الشاملة، مشيرا إلى أن ثمار الإصلاح ستظهر تدريجيا بهدف إرساء نظام متوازن وقادر على ضمان ديمومة الخدمات الاجتماعية، وأكد أن المساهمة التضامنية هي إجراء ظرفي اضطراري وليس خياراً استراتيجياً.
وأسفرت نتائج التصويت عن رفض الفصل 20، بينما تمت الموافقة على الفصل 21 والفصل 33 في صيغتهما الأصلية، فيما تم إقرار الفصل 39 بصيغته المعدلة.
وقد واصلت اللجنة الاشغال في جلسة مسائية لمناقشة بقية فصول مشروع قانون المالية لسنة 2026 بحضور ممثلي وزارة المالية . وخلال التطرّق للفصل 42 المتعلق بدعم الدور التعديلي والخدماتي للديوان التونسي للتجارة، أفاد ممثلو الوزارة أن الديوان استفاد لسنوات من إجراءات مبسطة لاستيراد المواد الغذائية، مما أدى إلى تراكم ديون كبيرة عليه نتيجة عدم تسوية التصاريح في الآجال المحددة. ونظرًا لدوره الاستراتيجي في تأمين المواد الأساسية واستقرار الأسعار، تم اتخاذ قرار استثنائي بإعفاء الديوان من كامل ديونه المتعلقة بالتصاريح المبسطة بما في ذلك المعاليم والفوائض والخطايا، بهدف دعمه في مواصلة أداء مهامه الحيوية.
وأكد النواب أهمية الدور الذي يلعبه الديوان في ضمان توفير المواد الأساسية والحفاظ على المقدرة الشرائية، مشددين على ضرورة دعمه وتعزيز كفاءته التشغيلية. وفي المقابل، حذروا من تحميل القطاع الخاص أعباء تمويل غير مدروسة، ودعوا إلى ترشيد نظام الدعم لضمان وصوله للفئات المستحقة فقط، بما يحقق العدالة الاجتماعية ويحافظ على الاستدامة المالية للدولة. وتم التصويت عليه بالموافقة في صيغته الأصلية.
وبخصوص الفصل 43 المتعلق بدعم الشركة التونسية للسكر، أكّد ممثلو الوزارة أن القرار بإعفاء هذه الشركة من الديون الجبائية المتعلقة بفوائض التأخير والخطايا، يأتي في إطار سياسة الدولة الرامية إلى الحفاظ على المؤسسات الوطنية ذات الدور الاستراتيجي. وأوضحوا أن هذا الإجراء يهدف إلى تمكين الشركة من استعادة توازنها المالي وضمان استمرارها في تأمين توريد السكر للسوق المحلي، وبالتالي المساهمة في استقرار الأسعار والحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطنين.
وطرح النواب تساؤلات حول مدى عدالة وفعالية هذا القرار، مؤكّدين أهمية الدور الاجتماعي والاقتصادي للشركة التونسية للسكر، وعبروا عن قلقهم من تكرار سياسة الإعفاءات دون ضوابط رقابية صارمة. وطلبوا توضيح المعايير التي تم على أساسها منح هذا الإعفاء، وآليات ضمان عدم تكرار تراكم الديون مستقبلاً، وكيفية تحقيق هذا الإجراء للتوازن بين دعم المؤسسات وعدم الإضرار بالمالية العامة. كما دعوا إلى تقديم خطة واضحة من الوزارة تُبيّن كيفية تعزيز الحوكمة وترشيد التصرف في الشركة لضمان استدامتها دون الحاجة إلى دعم متكرر من الميزانية العامة.
وبخصوص الفصل 44 المتعلق بإعفاء مصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية من المعلوم على طلبات الأذون على العرائض والأوامر بالدفع وعرائض الطعون فيها، أفاد ممثلو وزارة المالية أن دفع هذا المعلوم يتطلب بالنسبة إلى الهياكل والمصالح العمومية اتباع إجراءات تأدية النفقات العمومية التي لا تتلاءم مع سرعة ونجاعة الأعمال التي تقوم بها، ولذلك تمّ اعفاء مصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية من دفع هذا المعلوم.
وبخصوص الفصل 45 المتعلق بالتخفيف في كلفة المشاريع العمومية الممولة بقروض خارجية موظّفة، أفاد ممثلو الوزارة أنه اعتبارا للأهمية التي تكتسيها المشاريع العمومية وبهدف التخفيف من كلفتها، تمّ منح توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة بعنوان الأملاك والبضائع والأشغال والخدمات الموردة والمقتناة محليا المموّلة بقروض خارجية موظفة مسندة لفائدة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العمومية وذلك في حدود مبلغ القرض المسند.
وأفادوا بخصوص الإقتناءات المحلية الممولة بالقرض، أن تجسيم الامتياز يستوجب الحصول بصفة مسبقة على شهادة في توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة تسلم من قبل المصلحة الجبائية المختصة لفائدة المستفيد النهائي أو الهيكل المتصرف في القرض.
وخلال النقاش قدّم النواب جملة من التعديلات على غرار إدراج مجامع الصيانة والتصرف بالمناطق الصناعية ضمن المنتفعين بتوقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة بعنوان الهبات والقروض الخارجية كما هو معمول به لمؤسسات الدولة.
وارتأى النواب تأجيل التصويت على هذا الفصل إلى حين مناقشة جملة التعديلات الممكنة حوله مع وزيرة المالية.

الملفات المرفقة :

مقالات أخرى