عقدت لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية بمجلس نواب الشعب ولجنة المخططات التنموية والمشاريع الكبرى بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم جلسة مشتركة يوم الجمعة 07 نوفمبر 2025 للاستماع إلى وزير الاقتصاد والتخطيط حول مشروع ميزانية مهمة الاقتصاد والتخطيط لسنة 2026، وذلك برئاسة السيدين صابر الجلاصي ومحمد الكو رئيسا اللجنتين وبحضور السيد ثامر المزهود نائب رئيس اللجنة والسيد صالح السالمي المقرر ، وأعضاء اللجنة السيدة آمال المؤدب والسادة طارق مهدي وحمدي بن عبد العالي وسامي الحاج عمر، بالإضافة إلى عدد من النواب من غير أعضائها.
وفي بداية الجلسة ذكّر رئيسا اللجنتين بالدور المحوري الذي تضطلع به وزارة الاقتصاد والتخطيط في رسم سياسات الدولة ووضع الرؤى الاستراتيجية نحو إرساء نموذج جديد للنمو الاقتصادي في أفق سنة 2030 مؤكدين الأهمية التي تكتسيها سنة 2026 في بناء مسار المخطط التنموي 2026-2030 خاصة وأن الوزارة تعتبرها "سنة القطع مع التخطيط التقليدي". كما أبرزا حجم الرهانات والتحديات التنموية المطروحة أمام الوزارة في كل المجالات خاصة وأننا في فترة حساسة رُفعت فيها شعارات عدة على غرار شعاري التعويل على الذات ودعم الدور الاجتماعي للدولة وفق خيارات سياسية يُفترض أن تُبنى على استراتيجية واضحة في تناغم بين حاجيات المواطن وأداء الحكومة.
ثم قدّم وزير الاقتصاد والتخطيط عرضا حول الإطار العام لمشروع ميزانية مهمة الاقتصاد والتخطيط لسنة 2026 وأبرز ملامحها ومؤشراتها. وأوضح أنه في إطار السعي لتحقيق الأولويات والخيارات الوطنية الرامية إلى تكريس عدالة اجتماعية واقتصادية وفقا لأحكام الدستور، تتمثل أنشطة مهمّة وزارة الاقتصاد والتخطيط لسنة 2026 في تحسين الأداء الاقتصادي وتطوير المنظومة الوطنية للإحصاء ودفع التنمية الجهوية، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار وتسهيل إنجاز المشاريع وتطوير مجالات التعاون الدولي المالي والفني وتحديث هياكل الوزارة ورقمنة خدماتها.
ثم قدم عرضا عن الهيكل التنظيمي للوزارة ومختلف الإدارات والمؤسسات الراجعة لها بالنظر، موضّحًا مختلف أدوارها في مجالات الاستثمار والتخطيط والتعاون الدولي والتمويل. وبيّن أنّ إعداد مخطط التنمية 2026-2030 تمّ بالتنسيق مع الدواوين والمؤسسات العمومية ذات العلاقة، مؤكدًا أهمية مراجعة قانون الاستثمار وتبسيط الإجراءات لتحسين مناخ الأعمال وبالتالي توفير عوامل نجاح تنفيذ المشاريع التنموية المرسومة.
كما أشار إلى أنّ الوزارة تعمل على تطوير الترابط البيني بين مختلف المصالح لضمان المزيد من الحوكمة في عملية الاستثمار، كما تعمل على دفع المتدخلين العموميين لاتخاذ إجراءات عملية ناجعة لتحسين ترتيب تونس حسب المؤشرات الدولية للتنافسية.
وأفاد الوزير أنّ اعتمادات ميزانية الوزارة لسنة 2026 تقدر بـــ 895,331 م د مقابل 958,000 م د لسنة 2025 مسجلة بذلك نقصا بنسبة 6,5 %، موضحا أن ذلك يعود أساسًا إلى إدماج عملة الحضائر الذين تقل أعمارهم عن 45 سنة وإلى تخفيض الميزانية المخصصة للإحصاء بعد استكمال التعداد العام للسكان والسكنى.
وأضاف انّه تمّ تخصيص53% من الاعتمادات الجملية المقترحة للبرنامج الجهوي للتنمية الموجه أساسا لتحسين ظروف عيش المواطنين وخلق موارد الرزق في الجهات، مشيرا إلى أهمية الاعتمادات المخصّصة لبرنامج التنمية المندمجة التي بلغت حوالي 190 م د، وإلى رصد اعتماد قدره 68 م د للمساهمات في رأس مال المؤسسات المالية والمنظمات الدّولية المتدخلة في تمويل التنمية وتخصيص اعتمادات بقيمة 61,5 م د لتغطية منح الاستثمار من قبل الصندوق التونسي للاستثمار المسندة للباعثين.
وأوضح الوزير الأهمية التي تم إيلاؤها إلى المشاريع التنموية، حيث بلغت حصة نفقات التدخلات الموجهة أساسا لخدمة التنمية حوالي 81,7%، كما تطورت نفقات العمليات المالية المتمثلة في مساهمات الدولة التونسية بعدد من المؤسسات المالية الدولية بنسبة 11,9%، في حين تراجعت نفقات التأجير للوزارة وهياكلها لتبلغ حصتها نحو 8,9%.
كما قدم جملة من المعطيات التفصيلية لمختلف البرامج التي تضمنتها مهمة الاقتصاد والتخطيط لسنة 2026 من حيث أهم محاور تدخلها وأهدافها الرئيسية ومكوناتها والميزانيات المخصصة لها. وتتمثل هذه البرامج في برنامج التوازنات الجملية والإحصاء وبرنامج دعم التنمية القطاعية والجهوية وبرنامج التعاون الدولي وبرنامج الإحاطة بالاستثمار بالإضافة إلى برنامج القيادة والمساندة.
وخلال النقاش، تقدّم النواب بعديد الملاحظات والأسئلة والاستفسارات ، وأكّد البعض أن عمليات الإحصاء ضرورية وأن الأرقام هامة جدا بالنسبة إلى التخطيط الاستراتيجي في مجال التنمية الجهوية وهو ما يستدعي التسريع في إعداد مشروع القانون الجديد للإحصاء الذي يُنتظر أن يرفع من جودة الأرقام والاحصائيات ويمكّن من تشخيص واقع التونسيين بأعلى درجات المصداقية والواقعية.
كما استأثر موضوع الاستثمار بحيز هام من التدخلات حيث أكد عديد النواب على مزيد التركيز على موضوع التنمية الجهوية والتنمية المندمجة، داعين إلى حسن توظيف ما تتيحه مختلف آليات وقنوات التعاون الدولي من فرص لبعث المشاريع والإحاطة بالمستثمرين ودعم المؤسسات التي تعاني صعوبات بما يمكّن من المحافظة على ديمومتها ودعم دورها في الاقتصاد الوطني وفي توفير مواطن الشغل والحد من مشكل البطالة.
وأكّد أعضاء اللجنتين الدور الهام للاستثمار الخاص في الاقتصاد الوطني، معتبرين أن نسبة النمو المأمولة المقدرة بــــ 3,3 % لا يمكن تحقيقها إلا بالتشجيع على الاستثمار واستقطاب المستثمرين من الخارج، مما يستدعي تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية لبعث المشاريع وحذف التراخيص ومرافقة الباعثين.
كما تعرّض عدد من النواب إلى الإشكاليات التي يطرحها تعدّد الهياكل المكلفة بالاستثمار على غرار الهيئة التونسية للاستثمار، ووكالة النهوض بالصناعة والتجديد، ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية، والصندوق التونسي للاستثمار، والمجلس الأعلى للاستثمارو، واعتبروا أن هذا التشتت يربك المستثمرين. وطالبوا بتوحيد هياكل الإسناد والمرافقة والتفكير في إحداث قطب استثماري موحد، مع مزيد التركيز على رقمنة الإدارة وتحديثها.
كما أوصوا بضرورة العمل على التوزيع الجيد والمحكم لمكاتب النهوض بالاستثمار الخارجي المفتوحة خارج تونس والانفتاح أكثر على وجهات أخرى وخاصة من البلدان الافريقية. ودعوا إلى ضرورة العمل على إيجاد الحلول الكفيلة بالحد من ظاهرة هجرة الأدمغة والكفاءات التونسية التي يتم استقطابها من الخارج وذلك بوضع ما يمكن من آليات لتشجيعها على العودة أو على الاستثمار ببلادنا.
كما شددوا على ضرورة المراجعة الجذرية للإطار التشريعي، وخاصة مجلة الصرف ومجلة الاستثمار، بما يجعله مواكبا لمتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية وفق رؤية استشرافية، هذا بالإضافة إلى مزيد دعم دور مؤسسات التمويل والإقراض على غرار بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
وأكد جميع المتدخلين أن الهدف الأساسي لوزارة الاقتصاد والتخطيط لا بد أن يتركّز حول ضرورة تحسين ظروف عيش المواطن في جميع مناطق الجمهورية وخاصة المناطق الداخلية ذات المؤشرات التنموية المتدنية وذلك من خلال إنجاز الطرقات والمسالك الريفية وشبكات التنوير وإحداث المزيد من المؤسسات التعليمية وتوفير وسائل النقل والخدمات الصحية والبنكية والبريديية وغيرها وتقريبها من المواطن في إطار تجسيم مبادئ الدولة الاجتماعية العادلة التي ينادي بها الجميع.
كما دعوا الوزارة إلى ضرورة إدماج البعد البيئي والطاقي ضمن السياسات العمومية، مؤكّدين أهمية إيلاء القطاع الفلاحي الأولوية القصوى باعتباره أهم الآليات الضامنة لتحقيق أمننا الغذائي، مع العمل على إرساء مناطق صناعية في عديد الجهات بما يمكّن الوزارة من القيام بالمهام الموكولة إليها وتنفيذ برامجها وتحقيق الأهداف المرسومة.
من جهة أخرى، نبّه بعض المتدخلين إلى أن التوزيع الحالي للمندوبيات الجهوية للتنمية لم يعد يتماشى مع فلسفة التقسيم الإداري الجديد، مذكّرين أنه تم عقد جلسات عمل للنواب مع المندوبيات الجهوية وتم تقديم توصيات لإعادة هيكلتها بما يتماشى والرؤية الجديدة دون أن يتم اتخاذ إجراءات في الغرض إلى اليوم.
وشددوا على ضرورة وضع الآليات الرقابية الكافية والناجعة للمتابعة الدورية لمدى التقدم في تنفيذ البرامج والمشاريع التنموية ومدى تحقيقها للأثر الفعلي والملموس لدى المواطن في مختلف الجهات.
كما طالب أعضاء اللجنتين بضرورة تشريك نواب الشعب من المجلسين في عمليات تقييم مسار التنمية في تونس وفي القيام بالتشخيص الشامل للمشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى تشريك مختلف الجهات المعنية في إطار اللامركزية.
هذا وقدّم وزير الاقتصاد والتخطيط جملة من الأجوبة والتوضيحات المبدئية حول ما توجّه به النواب من أسئلة واستفسارات على أن يتم عرضها بأكثر تفاصيل خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع ميزانية مهمة الاقتصاد والتخطيط لسنة 2026 خلال الأيام القادمة.
وعبّر في ختام الجلسة عن انفتاح الوزارة واستعدادها للتعاون مع النواب عامة وأعضاء اللجنتين خاصة، والعمل معهم وفق رؤية تشاركية بين الوظيفتين التنفيذية والتشريعية بما ييسّر تحقيق الأهداف المنشودة ويرتقي ببلادنا