وخُصّصت الجلسة العامة المنعقدة مساء يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 لمناقشة مهمة التعليم العالي والبحث العلمي من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، وذلك بحضور السيد منذر بلعيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والوفد المرافق له.
وافتتح العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب أشغال هذه الجلسة بكلمة أبرز فيها أهمية هذه الوزارة التي يُرتقب منها أن تعمل على إرساء السياسات في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتنفيذها، ورسم الإصلاحات المتّصلة بضمان الجودة في هذا القطاع الذي يُعدّ مصدرا لخلق المعرفة ونشرها وتطبيقها، وهو كذلك مفتاح لتنمية المجالات الاقتصادية وعامل رئيسي لإحيائها وتطويرها وإدماجها في الاقتصاد العالمي أيضا.
وبيّن رئيس مجلس نواب الشعب أنه يتمّ الانطلاق في صنع السياسات والاستراتيجيات في هذا الصدد من المكانة المحورية للموارد البشرية في الخيارات المعتمدة ما بعد 25 جويلية 2021 وكذلك من رؤيته للجامعة التونسية التي يتطلّع إلى أن تكون لا منارة علمية فقط، بل مصدرا للكفاءات والاختصاصات التي يتطلبها سوق الشغل الوطني والدولي، لتصبح مخبرا للبحوث والدراسات المعمّقة في شتى المجالات خاصة تلك المواكبة للتحولات التكنولوجية والرقمية.
وأكّد في هذا السياق ضرورة العمل المشترك على القضاء تدريجيا على كلّ الأسباب التي أدّت إلى انتشار الشعور بالإحباط لدى طيف واسع من الشباب، وفق الهدف الجامع الذي ينبني على إرجاع الأمل وغرس ثقافة الطموح والتحدّي والتعويل على الذات.
وأبرز ما يستدعيه تحقيق هذه الأهداف من تكاتف للجهود وحشدها للعمل على مراجعة غايات البرامج المعتمدة في مؤسّسات التعليم العالي، والبحث بكلّ تبصّر في سبل الانتقال نحو التخصصات المستحدثة والقائمة على الرقمنة والتجديد والمبادرة والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات المنتجة للذكاء وللكفاءات في الاختصاصات التي تزايد عليها الطلب داخليا وعلى المستوين الاقليمي والدولي.
وبيّن أن مجهودات جميع مؤسسات الدولة المعنيّة تلتقي في هذا التمشي من أجل وضع رؤية استشرافية للتعليم العالي واستراتيجية مستقبلية متكاملة للبحث العلمي، تقوم على فتح آفاق أرحب أمام الطاقات الشبابية، وعلى تثمين دور البحوث العلمية في دعم قدراتنا الإنتاجية والاقتصادية وفي تعزيز مقوّمات الرقيّ والرفاه الاجتماعي.
ثم تولّت كلّ من لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة بمجلس نواب الشعب ولجنة الخدمات والتنمية الاجتماعية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم تقديم التقرير الذي تمّ إعداده من طرفهما.
وشرع إثر ذلك في النقاش العام في جزئه الأوّل المتعلّق بمداخلات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم برئاسة السيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ثم فسح المجال لتدخلات أعضاء مجلس نواب الشعب حيث ترأس الجلسة نائب رئيس المجلس السيد الانور المرزوقي.
وتناولت تدخلات النواب المواضيع التالية:
- ضرورة توفير السكن الجامعي وتوسعة المبيتات الجامعية خاصة بالجهات الداخلية.
- تسوية وضعية الدكاترة المعطلين عن العمل بالإدماج أو بالإنتداب المباشر.
- مدى تقدّم مشروع إحداث تعاونية الأساتذة والباحثين.
- ضرورة مراجعة الخارطة الجامعية وتقييم أداء بعض الجامعات.
- التحلي باليقظة عند قبول المشاركة في الندوات العلمية من أجل تجنّب التطبيع الأكاديمي.
- مراجعة تركيبة لجان الإنتداب والترقية في كل الاختصاصات.
- إنهاء نزيف هجرة الكفاءات التونسية.
- تسوية وضعية الأساتذة العرضيين وأصحاب الشهائد العليا.
- ضرورة تسوية وضعية أعوان المناولة من منظوري الوزارة تطبيقا لقانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.
- ضرورة تحديث منظومة تسيير الجامعات والقطع مع الانتخابات وإعتماد لجان مستقلة تقوم بالتعيينات.
-تعزيز التكوين التطبيقي والشراكة مع المؤسسات الصناعية.
- دعم الرقمنة ومرافقة مشاريع التخرج المبتكرة والقابلة للتسويق.
- توفير منح تحفيزية للباحثين الشبان وتطوير التدبير المالي بإعتماد ميزانية حسب الأهداف.
- مراجعة اختصاصات بعض الجامعات من اجل جامعة منتجة فكريّا وتنمويا.
- ضرورة تجسيد البحوث العلمية في مشاريع تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.
- المطالبة بالترفيع في ميزانية البحث العلمي نظرا لما يتطلبه هذا القطاع من معدات وموارد بشرية مختصّة.
- ضرورة مراجعة التوجيه الجامعي بما يواكب متطلبات سوق الشغل.
- المطالبة بنشر مخرجات المنصّة المخصصة لتسجيل الدكاترة للإطلاع على قاعدة البيانات والعدد الحقيقي للدكاترة في تونس.
- إنشاء هيئة وطنية للطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر.
- إثارة عدد من الوضعيات الخاصة.
وأكّد السيّد منذر بلعيد، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، في تفاعله مع تدخلات النوّاب، أنّ الهدف المركزي لعمل الوزارة يتمثّل في إصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي عبر دعم المجالات الواعدة بما يساهم في الارتقاء بنسبة تشغيلية حاملي الشهائد العليا.
وأوضح أن الوزارة تعمل على إحداث مؤسسات تكوين جديدة في مجال شبه الطبي، بعد رفع التجميد عن هذا الاختصاص الذي أُقرّ منذ سنة 2011، مبيّناً أنّ هذا التوجّه يندرج ضمن سدّ النقص المتزايد في هذا القطاع الحيوي. كما أبرز جهود الوزارة في تعزيز ثقافة المبادرة لدى الطلبة من خلال إقرار نظام "الطالب المبادر" وتوجيه الجامعة لتكون بيئة حاضنة للأفكار المبتكرة والمشاريع الريادية.
وفي سياق الاستعداد لانطلاق المجلس الأعلى للتربية، أشار الوزير إلى أنه تم إعداد حزمة من مشاريع القوانين والأوامر، من بينها مشروع قانون التعليم العالي الخاص. أمّا في ما يتعلّق بمناظرات الترقية والانتداب الخاص بالدكاترة، فبيّن أنّ الوزارة وفّرت 1350 خطة انتداب بعنوان سنة 2025، وستفتح 1350 خطة إضافية بعنوان سنة 2026، مؤكداً حرصها على تجاوز الإشكالات القائمة واعتماد معايير الشفافية والنزاهة تكريساً لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المتناظرين.
وفي جانب البحث العلمي، أكّد الوزير توجّه الوزارة نحو تكريس منظومة بحث وتجديد تستجيب لمتطلبات سوق الشغل وتواكب التحولات التكنولوجية و كل من التغيرات المناخية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف دعم المجهود التنموي الوطني. كما ذكّر بتطور ميزانية البحث العلمي من 183 مليون دينار سنة 2025 إلى 215 مليون دينار سنة 2026، موضحاً أنّ العمل متواصل لإعادة النظر في الخارطة البحثية عبر إحداث 50 مخبر بحث في مختلف الولايات، تُعنى بمجالات البيئة والمحيط وغيرها، بالإضافة إلى إنشاء شبكات بحثية متميزة ومجمّعات متخصصة تجمع الخبرات والكفاءات.
وفي ما يتعلق بالخدمات الجامعية، أقرّ الوزير بوجود نقائص تتطلب تحسينات عاجلة، خاصة في السكن والأكلة الجامعية، باعتبارها خدمات أساسية وليست رفاهية. وفي هذا الإطار، كشف عن مشاريع جارية من بينها توفير 7000 سرير جديد بالمبيتات، وبناء ستة مركّبات رياضية، ودعم الانتقال الطاقي داخل المبيتات، إلى جانب توفير خزانات مياه لتفادي الانقطاع خلال فترات الذروة. كما أشار إلى تأمين السكن الجامعي لـ64 ألف طالب سنة 2025، أي بنسبة 85% من طالبي السكن، إضافة إلى مواصلة الإحاطة بـ27% من الطلبة المنتمين إلى عائلات معوزة.
وبخصوص الأكلة الجامعية، أوضح الوزير أنّ مساهمة الطالب تقدّر بـ200 مليم فقط، وأن المطاعم الجامعية توزّع حوالي 14 مليون أكلة سنوياً، لافتاً إلى أنّ الوزارة تعمل على تعميم البطاقة الإلكترونية الخاصة بالأكلة الجامعية بما يساهم في ترشيد الاستهلاك وتحسين جودة الخدمات.
كما أبرز أنّ أكثر من 140 ألف طالبا ينتفعون بالمنح والقروض، مبيّناً أنّ الوزارة بصدد مراجعة منظومة الحياة الجامعية عبر تنقيح الأمر المتعلّق بتنظيمها، والقرار الخاص بشروط الحصول على المنح، والأمر المنظم للسكن الجامعي، بالإضافة إلى مراجعة كراس الشروط الخاص باستغلال المبيتات وصياغة أمر ينظّم العلاقة بين مؤسسات الخدمات الجامعية والمنشطين في مجالي الثقافة والرياضة.
وفي ختام مداخلته، تفاعل الوزير مع جملة الوضعيات الخاصة التي طرحها النواب خلال النقاش العام، مؤكداً التزام الوزارة بمواصلة المعالجة والمتابعة.