إستأنفت الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أشغالها المتعلّقة بمناقشة المهمات والمهمات الخاصة من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 ، بحضور العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب والسيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والاقاليم وأعضاء المجلسين.
وخُصّصت الجلسة العامة المنعقدة اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 لمناقشة مهمة العدل من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، وذلك بحضور السيدة ليلى جفال وزيرة العدل والوفد المرافق لها.
وقد افتتح العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب أشغال هذه الجلسة بكلمة بيّن في مستهلها المكانة المحورية للمرفق القضائي ودوره الجوهري في إقامة العدل وصون كرامة الإنسان، وتعزيز الثقة في قدرة الدولة على تطبيق القانون على قدم المساواة ودون أيّ شكل من أشكال التمييز، وذلك في إطار احترام المقتضيات الدستورية الهادفة إلى حماية الحقوق والحريات من أيّ انتهاك، عملاً بما نصّت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 55 من الدستور.
وبيّن أنّ دستور 25 جويلية 2022، بما تضمّنه من تأكيد صريح على التزام الدولة بحماية مختلف الحقوق والحريات، قد أفرد الباب الخامس منه للوظيفة القضائية، مبيّنًا تنظيمها ومهامها وصلاحيات الأقضية الثلاث، بما يحمّلها مسؤولية كبرى في تكريس مجتمع القانون وتدعيم دولة المؤسسات، وإعادة الثقة في النفوس وفي مناخ الاستثمار وتعزيز المبادرة، في إطار الالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة.
وشدّد رئيس مجلس نواب الشعب على أنّ الرهان اليوم يتمثّل في بناء مرفق قضائي قادر على الاضطلاع بمهامه بكفاءة وجاهزية عالية، وقادر على إنجاز الإصلاحات الضرورية، سواء التشريعية منها أو تلك المتّصلة بالحوكمة والرقمنة وإرساء الآليات الكفيلة بدعم الإمكانيات المحدودة التي تعاني منها المحاكم ومختلف هياكل العدالة.
واعتبر العميد إبراهيم بودربالة أنّ هذه التحديات تمثّل منعرجًا مهمّا يستوجب تضافر الجهود والعمل المشترك من أجل معالجتها بأفضل السبل وفي أقرب الآجال، بما يضمن الارتقاء بالمرفق القضائي إلى مستوى انتظارات المواطنين ومتطلبات دولة القانون.
ثم تولّت كلّ من لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب ولجنة النظام الداخلي والحصانة والمسائل القانونية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم تقديم التقرير الذي تمّ إعداده من طرفهما.
وتمّ إثر ذلك المرور الى النّقاش العام في جزئه الأوّل المتعلّق بمداخلات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم برئاسة السيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وفي جزئه الثاني المتعلّق بمداخلات أعضاء مجلس نواب الشعب، وتداول على رئاسة الجلسة نائبي رئيس مجلس نواب الشعب السيدة سوسن المبروك والسيد الأنور المرزوقي. وتناول النقاش المواضيع التالية:
واثر ذلك تولّت السيدة ليليى جفال وزيرة العدل التفاعل مع تدخّلات النواب حيث أكّدت أنّ إصلاح المرفق القضائي يستوجب اعتمادات مالية ضخمة وإصلاحات تشريعية معمّقة. ورغم محدودية الموارد وتوجيهها بنسبة 83% إلى الأجور، فإنّ العمل متواصل لتنفيذ مشاريع جوهرية لتطوير المنظومة القضائية، سواء عبر تحسين البنية التحتية للمحاكم، أو إحداث محاكم جديدة لتقريب الخدمة من المواطن.
وأوضحت في هذا السياق أنّ إحداث المحاكم يخضع لدراسات وشروط دقيقة، وستنطلق عدة محاكم جديدة في العمل سنة 2026 على غرار كل من محكمة جربة، وحاجب العيون، والمهدية. وقدّمت الوزيرة قائمة مفصلة بالمحاكم التي أُحدثت أو تمت تهيئتها وتوسعتها بين 2023 و2025، معتبرة أنّ نسق الإنجاز “مقبول جدًّا”، مع تأكيد أهمية مشروع مبرمج يتعلق بمحكمة التعقيب بولاية تونس.
وبيّنت أنّ الوزارة ملتزمة بإقامة العدل وتطبيق القانون واحترام الإجراءات، وهو ما قد يفسّر بطء معالجة بعض الملفات المعروضة أمام القضاء.
أما فيما يتعلّق بالرقمنة، شدّدت وزيرة العدل على أنّ رقمنة مرفق القضاء أولوية مطلقة، وأنّ سنة 2026 ستكون سنة التحوّل الرقمي الشامل للوزارة. وأفادت أنّه تمّ بالفعل تعميم منظومات المحاكمة عن بعد على عدد كبير من المحاكم والمؤسسات السجنية، كما تم تسجيل أكثر من 25 ألف محاكمة عن بعد. وأفادت أنّه تمّ إطلاق منظومة الإرشاد القضائي عن بعد التي سجّلت تطورًا هامًا تجاوز 16 ألف زيارة سنة 2025.
وأضافت أنّ الوزارة قامت بخطوات متقدّمة في مشروع الأرشفة الإلكترونية الذي مكّن من رقمنة أكثر من 4,3 مليون حكم وما يقارب 30 ألف دفتر عدلي، مع تواصل العمل لاستكمال تعميم المنظومة على بقية المحاكم. كما تمّ، عبر التشابك البيني، رقمنة استخراج المضامين تمهيدًا لرقمنة ملف الجنسية. وتمّ أيضًا تركيز النظام المعلوماتي الجديد في المادة الجزائية، ورقمنة القضاء العقاري، واعتماد البوابة الإلكترونية للخدمات العدلية.
وأشارت الوزيرة إلى أنّه يجري إعداد دليل إجراءات موحّد للمحاكم بهدف القضاء على التفاوت بين الهياكل وتوحيد مسارات نشر القضايا. كما قامت الوزارة بعدد من الانتدابات لتعزيز الموارد البشرية، على أن يشمل برنامج الانتدابات لسنة 2026 نحو 1213 إطارًا، من بينهم: 100 قاض،و 150 ملحق قضائي، و300 كاتب محكمة، و446 عون سجون، فضلًا عن فتح مناظرات لعدول التنفيذ والخبراء العدليين، وترسيم 380 مترجم محلّف.
وبخصوص السياسة الجزائية، أكّدت الوزيرة أنّها تقوم على الموازنة بين تطبيق القانون وضمان حرية الأفراد. وبيّنت أنّ مدّة الإيقاف التحفظي محدّدة بستة أشهر قابلة للتمديد بأربع أشهر ثم بأربع أخرى لاستكمال التحقيق في إطار ضمان الحقوق. كما أوضحت أنّ الإضراب حق من حقوق المساجين، وأنه لا وجود لما يُسمّى “إضرابًا وحشيًا”، مشدّدة على أنّ السجين المضرب يخضع لبروتوكول صحي ملائم وله الحق في رفضه، معتبرة أنّ ما يُنشر على شبكات التواصل الاجتماعي بهذا الخصوص لا يستند إلى معطيات صحيحة.
وأكدت أنّ كل الإجراءات في المنظومة السجنية والقضائية مسنودة بالقانون، وأنّ العدالة تُضمن بالقانون لا بالأجهزة، مبيّنة في هذا الإطار أنّ المجلس الأعلى للقضاء يُعيَّن وفق الإجراءات القانونية. وأوضحت أنّ الاحتفاظ يتمّ في إطار ضمانات محددة، وأنّ مختلف الهياكل تعمل بتنسيق كامل، مؤكدة أنّ المحاكمة عن بعد أثبتت نجاعتها في عديد المحاكم، وأن وسائل الاتصال الحديثة لا تؤثر في وجدان القاضي ولا في استقلالية قراره.
وأفادت وزيرة العدل بأنّ تطبيق القانون عدد 41 لسنة 2024 المتعلّق بالصلح في قضايا الشيك دون رصيد مكّن من تحقيق نتائج إيجابية وملموسة؛ إذ تمّت تسوية وضعية أكثر من 63 ألف شخص، وتراجع عدد المساجين في هذه القضايا إلى 222 فقط. كما سجّل القطاع المالي تطوّرًا هامًا، حيث تضاعف استعمال الكمبيالة ثلاث مرات، مقابل تراجع استعمال الشيك إلى الثلث، إضافة إلى تضاعف عدد التحويلات الإلكترونية من 16 مليون عملية إلى 37 مليون خلال السداسي الأول من سنة 2025، وهو ما يعكس قبولًا واسعًا للإصلاحات التي جاء بها هذا القانون.
وبخصوص ملف النفقة، أوضحت الوزيرة أنّ هناك دراسة مشتركة تعمل عليها وزارة المرأة ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العدل، وتتعلّق بتنقيح أحكام صندوق النفقة ومراجعة العقوبة السجنية، وأبرزت أنّ عدد المساجين في قضايا النفقة يبلغ 191 سجينًا.
كما شدّدت على أنّ الوزارة تعمل على تهيئة السجون وتحسين تجهيزاتها بهدف الحدّ من الاكتظاظ وتحسين ظروف الإقامة. وأكّدت أنّ العقوبات البديلة لا يمكن تطبيقها على الجرائم الخطيرة على غرار جرائم السرقة، فضلًا عن أنّ العقوبات البديلة تشترط موافقة السجين.
وبيّنت أنّ الوزارة تعمل على ترشيد إصدار بطاقات الإيداع، وأنّ الهدف هو أن يتمّ اللجوء إليها فقط في الضرورات القصوى. كما أوضحت أنّ هناك فرقًا واضحًا بين حرية التعبير من جهة، والتشهير والثلب من جهة أخرى، مؤكّدة أنّ المرسوم 54، وخاصة الفصل 24 منه، لا يحدّ من حرية التعبير، بل يهدف إلى مكافحة التجاوزات.
وأوضحت وزيرة العدل أنّ الوزارة بادرت بتقديم مشروع قانون لتنقيح قانون الصلح الجزائي، مؤكّدة في هذا الإطار أنّ هذا الملف يندرج ضمن أنظار رئاسة الجمهورية، ولا يندرج ضمن المشمولات المباشرة لوزارة العدل.
وفيما يتعلّق بحماية المبلّغين عن الفساد، اعتبرت الوزيرة أنّ بعض المبلّغين قد تكون بخصوصهم شبهات بدورهم، في حين أنّ هناك مبلّغين شرفاء يجب أن يتوجّهوا إلى الجهات المختصة دون اللجوء إلى التشهير عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي ختام مداخلتها، شدّدت وزيرة العدل على أنّها تعمل وفق رؤية إصلاحية شاملة ترتكز على تطوير السياسة الجزائية، وتسريع الزمن القضائي، وإحداث محاكم جديدة، وتعزيز مسار العقوبات البديلة، بما يسهم في تحقيق نقلة نوعية للمرفق القضائي وتكريس العدالة الناجزة.
وفي ختام الجلسة، أكّد العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نوّاب الشعب، أنّ المحاكم لطالما كانت مرآة الدولة، وأنّ مؤسسة القضاء أثبتت في كلّ الظروف العصيبة التي مرت بها البلاد قدرتها على الصمود والاضطلاع بدورها الوطني.
ودعا إلى ضرورة مراجعة زمن التقاضي، لاسيما وأنّ المشرّع التونسي اعتمد مبدأ التقاضي على درجتين، مذكّرًا بأحكام الفصل 143 من مجلة الإجراءات الجزائية. وشدّد على أهمية مراجعة القوانين المنظمة للمهن المرتبطة بالقضاء، داعيًا وزارة العدل إلى إعداد تصوّر في الغرض عبر إحداث لجان تضمّ مختلف المتدخلين في المنظومة القضائية.
وأشار إلى أنّ تجربة القاضي الفرد كانت تجربة ناجحة وينبغي إعادة تفعيلها بإعتبارها قد تساهم في تقليص آجال البتّ في القضايا، ومؤكّدًا ضرورة إعادة النظر في سنّ تقاعد القضاة بالترفيع فيه من 62 إلى 70 سنة، اعتبارًا لما يكتسبه القاضي من خبرة وتجربة مع تقدّم السن، وهو ما يمكّنه من أداء رسالته على أحسن وجه