لجنة المالية والميزانية تستمع إلى وزير الصحة وممثلين عن وزارة الاقتصاد والتخطيط حول مشروعي قانونين

عقدت لجنة المالية والميزانية جلسة يوم 29 أكتوبر 2025، خصصتها للاستماع إلى وزير الصحة وممثلين عن وزارة الاقتصاد والتخطيط حول مشروعي قانونين يتعلّق الأول بالموافقة على الملحق عدد 1 المبرم بتاريخ 25 مارس 2025 لاتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 14 فيفري 2019 بين الجمهورية التونسية والوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل برنامج تعصير الخدمات الصحية بجهة سيدي بوزيد، ويتعلق الثاني بالموافقة على الملحق عدد 2 المبرم بتاريخ 27 ديسمبر 2024 لاتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 14 فيفري 2019 بين الجمهورية التونسية والوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل برنامج دعم الصحة الالكترونية "E-santé".
وحضر الجلسة رئيس اللجنة عبد الجليل الهاني ونائب رئيس اللجنة عصام شوشان ومقرر اللجنة محمد بن حسين، وأعضاء اللجنة السيدة زينة جيب الله، والسادة محمد زياد الماهر وعماد الدين السديري وعلي زغدود وعادل بوسالمي ومسعود قريرة وظافر الصغيري، إلى جانب عدد من النواب من غير أعضاء اللجنة.
وفي بداية الجلسة، بيّن وزير الصحة أنّ هذين المشروعين يعتبران ركيزتين أساسيتين لإصلاح المنظومة الصحية وتجسيم توجهات رئاسة الجمهورية في مجال تحسين الخدمات الصحية المسداة للمواطن بالمناطق الداخلية ذات الأولوية. كما أفاد أن المشروع الأول يهدف إلى دعم تعصير المستشفى الجهوي بجهة سيدي بوزيد وتأهيل الهياكل الصحية العمومية بالخطوط الأمامية للصحة، ودعم الحوكمة في المجال الصحي بالجهة، أما المشروع الثاني فيهدف إلى دعم برنامج دعم الصحة الإلكترونية من خلال إرساء النظام المعلوماتي الصحي بغاية تحسين الرعاية الصحية وتطوير خدمات المستشفيات العمومية في تونس.
وفيما يتعلق بالموافقة على الملحق عدد 1 لاتفاقية القرض المتعلقة بالمساهمة في تمويل برنامج تعصير الخدمات الصحية بجهة سيدي بوزيد، استعرض الوزير الأسباب التي حالت دون إنجاز المشروع على غرار التأخير المسجّل خلال مراحل طلبات العروض المتعلّقة بالتصميم (المتمثلة في وضع المواصفات واختيار المصممين) بالإضافة إلى توقف الأنشطة بسبب الأوضاع الصحية خلال أزمة كوفيد 19.
وبيّن في هذا الإطار أنّ إجراءات التمويل تقتضي اعتماد طلب عروض على مرحلتين، تشمل الأولى التأهيل المسبق، وتليها مرحلة طلب العروض، إضافة إلى مرحلة التفاوض الفنّي مع المجمع الفائز بالصفقة، وهو ما يستغرق وقتا أطول مقارنة بالإجراءات المعتمدة في الصفقات العمومية التونسية.
كما تمّت إضافة مرحلة جديدة إلى تعهّدات مجمّع المصمّمين، تُعرف في التشريع الفرنسي بـــ "مرحلة التصوّر الأولي" وهي غير منصوص عليها ضمن الإجراءات المعتمدة عادة في مراحل الدراسات، وقد أدّى ذلك إلى تأخير الانتقال إلى مرحلة الدراسات التمهيدية الموجزة بحوالي أربعة أشهر.
ومن جهة أخرى، أفاد الوزير أنّ من بين مكوّنات المشروع بناء مستشفى جامعي بالجهة الذي يتطلب تطوير البنية التحتية وتعصير الخدمات الصحية. وفي هذا السياق، بيّن أنه سيتم بناء هذا المستشفى بجانب المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد على مساحة قدرها 40600 متر مربع وطاقة استيعاب بـــــــ 427 سرير مع إمكانية تطويرها إلى 455 سرير. وأوضح أن هذا المستشفى سيمكّن من خلق ديناميكية وتحسين الجانب الوظيفي مبينا أنّ كلفة إنجازه حسب الدراسات التمهيدية قدّرت بــــــــ 310م د وتمّ الانطلاق في انجاز الدراسات المعمارية والفنية منذ أكتوبر 2023، إضافة إلى المصادقة على التصور النهائي للمستشفى في أفريل 2024، والموافقة على الرسم التمهيدي الموجز في جانفي2025.هذا وأشار الوزير أنّه تمّ الانطلاق في طلب العروض في 15 جويلية 2025 وتم فتح العروض في 22 سبتمبر 2025 وهي بصدد التقييم لإرسالها للمموّل.
وفيما يتعلّق بالملحق عدد 2 لاتفاقية القرض المتعلّقة بالمساهمة في تمويل برنامج دعم الصحة الالكترونية، أوضح الوزير أن التوجّه الاستراتيجي في مجال الرقمنة قد شهد تحوّلًا جوهريًا، حيث تمّ الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدّمًا تشمل رقمنة الخدمات الطبية، بما يتماشى مع التطوّرات المتسارعة في المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي، مؤكّدا أهمية العمل على تطوير الطب عن بعد وربط المستشفيات فيما بينها.
وأشار إلى أنّ هذا التوجّه يأخذ بعين الاعتبار ضرورة حماية سرية المعطيات الشخصية، إلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية بدعم من عدد من المؤسسات البنكية وشركات الاتصالات، مما سيساهم في تسهيل قراءة الصور الطبية (السكانار) والتقارير البيولوجية والتشخيص عن بُعد، وبالتالي تحسين جودة الخدمات الصحية وتسريع التدخّلات الطبية.
وخلال النقاش، بيّن النواب أنّ الوظيفة التشريعية تثمن القروض الخارجية الموجهة لدعم الاستثمار وخلق الثروة، وخاصة في القطاع الصحي باعتباره حقا دستوريا يقابله الحق في الحياة. وفي هذا الإطار، أكدّوا ضرورة اعتماد سياسة ناجعة تضمن رعاية صحية شاملة وعادلة في جميع الجهات دون تمييز. وفي نفس السياق، استفسروا عن الكلفة الحقيقية للمشروع ومدى تطابقها مع التقديرات الأولية. وطرحوا تساؤلات حول مصادر تمويله وآجال صرف القرض، إلى جانب الشروط المالية وخاصة الزيادة المقرّرة في نسبة الفائدة المرجعية . وأكّدوا ضرورة توضيح انعكاس هذه الزيادة على كلفة القرض وعلى الميزانية العامة للدولة، مشدّدين على أن تكون شروط التمويل منصفة ومتناسبة مع الأولويات الوطنية في المجال الصحي.
وطرح النواب عددا من الإشكاليات والصعوبات الموجودة في مختلف الجهات على غرار هجرة أصحاب الاختصاص بما يتسبّب في نقص في الكفاءات الطبية ويؤثر على جودة الخدمات الصحية ويخلق ضغطا إضافيا على الإطار الطبي المتبقي. كما أثاروا عدّة إشكاليات على غرار النقص في الإطارات الطبية وشبه الطبية خاصة في الجهات الداخلية وفي اختصاصات معينة، واهتراء البنية التحتية وتراجع تجهيزات المستشفيات فضلا عن التفاوت الكبير في الخدمات الصحية بين الجهات الساحلية والداخلية.
ومن جهة أخرى، دعا النواب إلى ضرورة التفكير في حلول جذرية للتسريع بإنجاز المشاريع المعطلة ومعالجة التعقيدات الإدارية والبيروقراطية وتوفير الموارد البشرية وتحسين التصرّف المالي والإداري لضمان عدالة في الخدمات الصحّية بين الجهات. كما دعوا إلى بعث مؤسسات جامعية واستشفائية في عدد من الجهات قصد تقريب الخدمات الصحية من المواطنين وتخفيف الضغط على الأقطاب الصحية في المدن الكبرى وتقليص الفوارق الجهوية في النفاذ إلى الرعاية الصحية والتعليم العالي.
واستفسر النواب عن معايير اعتماد الأولويات التنموية، خاصة فيما يتعلق بـالاستثمار في المستشفيات والمستوصفات، مؤكدين أهمية تقييم السياسات والاختيارات التنموية السابقة من أجل تلافي النقائص وتكريس سياسة إصلاح فعّالة ومستدامة. كما دعوا إلى التركيز على خلق الثروة وتحفيز الاستثمار المنتج بما يتيح بعث المشاريع وتمويلها بالاعتماد على الموارد الذاتية، عوضًا عن الاعتماد المفرط على القروض الخارجية التي تثقل كاهل المالية العمومية.
وفي تفاعله، أكد وزير الصحة أهمية إرساء سيادة رقمية وطنية في مجالات الرقمنة والذكاء الاصطناعي والطب عن بُعد، بما يضمن الاستقلالية والتأقلم مع التحوّلات التكنولوجية لتفادي التبعية الخارجية. وأشار الوزير إلى أنّ الكفاءات التونسية الناشطة في كبرى الشركات العالمية تعاضد مجهود الوزارة في تطوير الرقمنة داخل المستشفيات التونسية. وبيّن أن تونس تُعد الدولة الإفريقية الوحيدة التي تمتلك مستشفى رقميا متكاملا، يهدف إلى تقريب الخدمات الصحية وتعزيز جودة الطب وتطويره بصفة شاملة.
كما أفاد أن الوزارة تعمل على تدارك النقائص المسجّلة في البنية التحتية والموارد البشرية، وتسعى إلى دفع نسق إنجاز المشاريع الصحية المتعثرة. ودعا إلى تطوير منظومة الصفقات العمومية بما يتيح الاستجابة السريعة للحالات المستعجلة وتجاوز التعقيدات البيروقراطية التي تعيق التنفيذ.
كما أشار إلى وجود مشروع قانون جديد لتطوير الخدمات الصحية، يُعدّ من بين الإصلاحات الهيكلية العميقة، ويهدف إلى إرساء نظام النشاط الإضافي التكميلي الذي يسمح بـتحسين جودة الخدمات الصحية خاصة خلال الفترة المسائية، وتحفيز الإطارات العاملة في القطاع الصحي.
وأضاف الوزير أنه تم إمضاء مذكرة تفاهم مع الجانب الصيني والانتهاء قريبًا من الدراسات الفنية والمالية اللازمة لإرساء مدينة القيروان الطبية، التي من المنتظر أن توفر طاقة تشغيلية تقدّر بنحو 200 ألف موطن شغل، مما سيساهم في دعم التنمية الجهوية وتعزيز الاستثمار في مختلف مناطق الوسط، وتحويل الجهة إلى قطب صحي واقتصادي متكامل.
وقدّم توضيحات حول كيفية صرف القرضين موضوع مشروعي القانونين وإجابات حول الاستفسارات المتعلقة بتطوير الخدمات الصحية في عديد المؤسسات الاستشفائية في مختلف الجهات. وجدّد تأكيده أن الهدف الرئيسي هو تحقيق العدالة الصحية والعدالة الاجتماعية، وكذلك العمل على تجاوز كل الإشكاليات على غرار التصدّي للتشغيل الهش وتسوية وضعية المتعاقدين والمساعدين الصحيين وتطوير عدد أسرة الإنعاش.
من جهته، قدّم ممثّل وزارة الاقتصاد والتخطيط توضيحات حول الشروط المالية للقرض موضوع مشروع القانون الثاني. وأفاد أنّ القسط الثاني للقرض، وهو المبلغ المتبقي للسحب والبالغ 23 مليون أورو، هو المعني بمراجعة نسبة الفائدة من جراء التمديد في آجال السحب. وأضاف أنّ إعادة هيكلة القرض استوجبت تحيين جدول السداد بالنسبة للقسطين الأول والثاني.
وقررت اللجنة الموافقة على مشروعي القانونين بأغلبية الحاضرين.

الملفات المرفقة :

مقالات أخرى