عقدت لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية جلسة يوم الاثنين 07 جويلية 2025 خصصتها للنظر في إطار إبداء الرأي في ثلاثة مقترحات قوانين والاستماع إلى جهة المبادرة التشريعية حول مقترح قانون يتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 71 لسنة 2016 المؤرخ في 30 سبتمبر 2016 المتعلّق بقانون الاستثمار.
ونظرت اللجنة في إطار إبداء الرأي في مقترح قانون يتعلق بتنظيم التصرف في الأراضي الدولية الفلاحية المتعهدة به أصلا لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري. وتعرّض النواب إلى أهمية ديوان الأراضي الدولية والصعوبات المالية والإدارية والتقنية التي يعاني منها. واعتبر عدد منهم أن تصفية جميع أملاكه وتعويضه بدواوين للفلاحة بكل إقليم سيعكر الوضعية الحالية. وأكّدوا أنه من المحبذ التفكير في إعادة هيكلته بناء على ما تم ملاحظته من سوء تصرف وإشكاليات مالية وانعدام للحوكمة ونقص كبير في الموارد البشرية. وبيّنوا في هذا الإطار أنه يصعب وضع استراتيجية عامة من خلال إحداث هياكل إضافية مؤكدين ضرورة وضع استراتيجية لتطوير الاستغلال في المجال الفلاحي وتحسين وضع الدواوين الموجودة وتفعيل دورها في تنشيط الدورة الاقتصادية، مشددين على ضرورة تفعيل كل آليات المتابعة والمراقبة اللازمة والناجعة.
في المقابل، ساند بعض النواب فكرة إحداث دواوين فلاحية إقليمية باعتبارها ستساهم في تجسيم خصوصيات كل جهة وتثمينها، مؤكّدين أهمية توحيد الهياكل في كل إقليم وضرورة أن يكون هناك مخاطب وحيد لتحسين طريقة التعاطي والتعامل. واعتبروا أن إحداث هذه الهياكل على المستوى الإقليمي ضروري لكن على أن يكون هناك إدارة مركزية للإشراف عليها بما يخلق سلاسة في أخذ القرار ونجاعة في التدخل مع تعزيز دور الهياكل الرقابية.
واعتبر أحد النواب أنه يجب إعادة النظر في مدى وجاهة ربط مهام هذه الدواوين بالمستوى الإقليمي أو الجهوي وكذلك في مدى وجاهة إحداثها في شكل منشأة عمومية، منبها إلى إمكانية ظهور نوع من التداخل بين مهامها ومهام وزارة الفلاحة. كما دعا إلى ضرورة التريث وطرح مثل هذه المواضيع بعد إعادة النظر في القانون عدد 9 لسنة 1989 المتعلق بالمساهمات والمنشآت العمومية معتبرا إياه المتسبب الرئيسي في الإشكاليات ذات العلاقة بالحوكمة ومشيرا أن عددا من النواب بصدد إعداد مبادرة تشريعية في هذا الصدد.
وبيّن ممثل جهة المبادرة التشريعية أنه تم الاستماع إلى جميع الأطراف المعنية التي ساندت المقترح باعتباره يتماشى مع المنوال الجديد للدولة القائم على الأقاليم وقدّموا مقترحاتهم في الغرض. واعتبر أنه لا بد من القطع مع النظام المركزي في التعاطي مع النشاط الفلاحي وإعطاء صلاحيات للجهات وتثمين دور ديوان الأراضي الدولية إقليميا وجعله أقرب للمواطن مع إخضاعه لإشراف وزارة الفلاحة ومراقبة نشاطه بواسطة عقود أهداف.
هذا وقد حظي الرأي المساند للفكرة القائم على أساسها مقترح القانون والمتمثلة في حل ديوان الأراضي الدولية وتعويضه بديوان للفلاحة بكل إقليم من الأقاليم الخمسة بأغلبية أصوات الحاضرين من أعضاء اللجنة.
ثم تناولت اللجنة بالدرس مقترح القانون المتعلق بمكافحة جرائم الاعتداء على البيئة المتعهدة به أصلا لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة. وبيّن النواب أهمية مقترح القانون وقدّموا عددا من الملاحظات على مستوى الشكل والمضمون وتحسين الصياغة القانونية للنص. واعتبروا أن هذا المقترح طرح مجمل النقاط بصفة سطحية باعتبار عدم تضمنه لعديد الجوانب على غرار آلية التحسيس والوقاية وإصدار التراخيص وغياب التوجه الاستباقي والوقائي.
وتطرقوا إلى أنواع الجرائم المضرة بالبيئة والعقوبات المرتبطة بها، مؤكّدين ضرورة التنصيص على الأطراف المتسببة فيها بما في ذلك المؤسسات التابعة للدولة. واستفسروا عن مدى وجود دراسات مقارنة حول التجارب الأجنبية في مجال مكافحة الاعتداء على البيئة. وأثاروا من جهة أخرى استفحال ظاهرة التلوث البيئي في جل مداخل المدن وغياب مظاهر التصدي لكل ما من شأنه المساس بسلامة المحيط والبيئة وارتباط ذلك بأمثلة التهيئة العمرانية مؤكدين أهمية إصدار مجلة للبيئة تتضمن كل الإجراءات.
وبيّن ممثل جهة المبادرة التشريعية أن هذا المقترح يندرج في إطار محاولة تجميع القوانين والإجراءات المتعلقة بالبيئة المشتتة، مؤكّدا ضرورة التصدّي لكل أنواع التلوث السمعي والبصري والإشعاعي وغيرها. وأضاف أنّه تم تجويد النص وتحسين صياغته والقيام بإضافات تتمثل في ربط بعض الفصول بأوامر ترتيبية وإضافة أحكام انتقالية وذلك بناء على ملاحظات ممثلي وزارة البيئة وتم مدّ لجنة الصياغة بنسخة معدّلة في الغرض.
هذا وقد أجمع الحاضرون من أعضاء اللجنة على دعمهم لهذه المبادرة التشريعية مع التوصية بمزيد مراجعة عدد من فصولها وتجويد النص ومد اللجنة بالنسخة المحيّنة.
أما بخصوص مقترح القانون المتعلّق بتنقيح القانون عدد 12 لسنة 2015 المؤرخ في 11 ماي 2015 والمتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، فقد قررت اللجنة، بعد الاستماع إلى عضو عن لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة، تأجيل النظر فيه إلى جلسة لاحقة وذلك لمزيد التعمق في مضامينه وأبعاده.
وواصلت اللجنة أشغالها بالاستماع إلى ممثلين عن جهة المبادرة حول مقترح قانون يتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 71 لسنة 2016 المؤرخ في 30 سبتمبر 2016 المتعلّق بقانون الاستثمار، حيث ذكّر مكتب اللجنة أن هذا المقترح تم طرحه سابقا على أنظارها وتلقت مراسلة في شأنه من وزارة الاقتصاد والتخطيط تفيد أنها بصدد إعداد مشروع قانون في نفس الغرض .
وقدّم ممثلو جهة المبادرة التشريعية بسطة عن هذا المقترح من حيث هيكلته ومحتواه وأبرز مضامينه وأهدافه، مؤكدين أنه تم إعداده بعد القيام بعديد الاستشارات والتنسيق مع عدد من المختصين في مجالات عدة وخاصة منها المالية والجباية والاستثمار على أمل أن تحظى هذه المبادرة بالاهتمام الذي تستحقه من كل الجهات المسؤولة خاصة وأنها تصب في التوجه الذي ما فتئ يؤكد عليه رئيس الجمهورية والمتمثل في ضرورة القيام بثورة تشريعية في كل المجالات للنهوض ببلادنا والارتقاء بها نحو الأفضل على كل المستويات.
كما أوضحوا أن إعداد مقترح هذا القانون يتنزل في سياق تنفيذ البرنامج الوطني للإصلاحات وأولويات رؤية تونس 2035 ومخطط التنمية للفترة 2026/2030 الرامية إلى تنشيط الاقتصاد واستعادة نسق النمو والتشغيل خاصة عبر تحسين مناخ الاستثمار وتعزيز جاذبيته للمستثمرين المحليين والأجانب على حد السواء.
كما تندرج هذه المبادرة التشريعية، وفق عرضهم، في إطار التفاعل مع ما خلص إليه التقييم الدوري للسياسات العمومية ولاسيما سياسات الاستثمار والقوانين ذات العلاقة الذي أكد وجود عديد الإشكاليات التي يتعين معالجتها من خلال مراجعة عدد من الأحكام ذات العلاقة. ومن أبرز هذه الإشكاليات تقييد حرية الاستثمار في ظل وجود قوانين قطاعية حمائية معيقة للاستثمار لاسيما بالنسبة للاستثمار الخارجي خاصة في عدد من القطاعات الاستراتيجية، إلى جانب وجود قوانين أفقية غير مرنة وغير محفزة للاستثمار على غرار مجلة الصرف ومجلة الشغل. كما تتمثل هذه الإشكاليات في تعقّد إجراءات الخدمات المسداة للمستثمرين وطول آجالها في ظل غياب منظومة رقمية موحدة، وضعف التصدير في ظل غياب الحوافز الناجعة وتعقّد الإجراءات. هذا بالإضافة إلى ضعف تأثير منظومة الحوافز الحالية على دفع الاستثمار، وضعف استراتيجية استقطاب المشاريع الكبرى ذات التأثير الاقتصادي الهام، وارتكاز منظومة التمويل على التداين وضعف الحلول المالية البديلة الملائمة لحاجيات الباعثين الشبان والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.
هذا وقد أبدى ممثلو جهة المبادرة انفتاحهم لدراسة مقترح هذا القانون وفق رؤية تشاركية مع اللجنة، مؤكدين ضرورة المصادقة عليه في أقرب الآجال الممكنة نظرا لما يكتسيه من أهمية بالغة في إحداث النقلة الاقتصادية المرجوة في ظل الصعوبات التي تعانيها بلادنا منذ سنوات.
وفي ختام الجلسة، قررت لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية تنظيم جلسات استماع حول مقترح هذا القانون إلى عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بموضوع هذه المبادرة التشريعية لمزيد التعمق في مضامينها.