استأنفت الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أشغالها المتعلقة بمناقشة المهمات والمهمات الخاصة من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 بحضور العميد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب والسيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والاقاليم وأعضاء المجلسين.
وخُصّصت الجلسة العامة المنعقدة صباح اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025 لمناقشة مهمة الاقتصاد والتخطيط مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، وذلك بحضور السيّد سمير عبد الحفيظ وزير الاقتصاد والتخطيط والوفد المرافق له.
واستحضر رئيس مجلس نواب الشعب العميد إبراهيم بودربالة في مستهلّ الجلسة المكانة الهامة لوزارة الاقتصاد والتخطيط باعتبارها وزارة محورية وذات طابع أفقي، ويُرتقب منها أن تلعب دورا حاسما في رسم ملامح تونس الغد التي يتطلع إليها الجميع والتي تجعل من الخيارات التي تمّ اتباعها منذ 25 جويلية 2021 مرجعا لكلّ الإصلاحات الكبرى والمخططات والاستراتيجيات التنموية.
كما جدّد رئيس المجلس حرص كل هياكل الدولة على تجسيد هذه الخيارات على أرض الواقع من خلال التكريس الفعلي لمبدأ التعويل على الذات ورفض كلّ الإملاءات والإسقاطات ووضع الإجراءات والنصوص التي تكفل تلك الخيارات الوطنية في كلّ معانيها، والتي تضمن على وجه الخصوص الحفاظ على الدور الاجتماعي للدولة، مع العمل على تدعيمُه في إطار فكر مُجدّدٍ يرمي أساسا إلى ضمان التوازن بين الجهات والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع فئات المجتمع، ويهدِفُ على وجه الخصوص إلى جعل الإنسان ركيزة لكلّ الإصلاحات وغاية محورية للخطط والبرامج المستقبلية.
وعبّر العميد إبراهيم بودربالة على ضرورة أن تعمل هذه الوزارة على النهوض بالاقتصاد الوطني وبمقومات التنمية العادلة والشاملة والمستدامة من خلال وضع السياسات الاستشرافية التي يُنتظر منها أن تُغيّر من الواقع المعيش للتونسيات والتونسيين بجميع فئاتهم وفي جميع ربوع تونس العزيزة. وإنّ كلّ جُهد في هذا المنحى يجب أن ينطلق من ضبط محكم للتقديرات الاقتصادية ومتابعة جِدّية وتشخيص واقعي لتطورات الظرف الاقتصادي، وتفاعل مرن ومحكم مع المتغيّرات الجيواستراتيجية، حتى يتمّ إعداد مختلف البرامج والسياسات العمومية في إطار مخططات تنموية خماسية وموازين اقتصادية سنوية مدروسة ومعلومة الأهداف وقابلة للتنفيذ وللقيس والتقييم.
وأكّد أنّ الوظيفة التشريعية التي يُعهد لها بالنظر في مخطط التنمية بناء على الفصل 77 من الدستور ستكون في الموعد، وعلى أكمل الاستعداد لمواصلة التعاون البنّاء مع الوظيفة التنفيذية من خلال القيام بكلّ ما تستوجبه الدراسة المعمّقة والمستفيضة لكلّ ما سيتمُّ عرضه بالجدّية المعهودة وبروح المسؤولية حتّى يتحقّق الهدف المنشود للبلاد والشعب
ثم تولّت كلّ من لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية بمجلس نواب الشعب ولجنة المخططات التنموية والمشاريع الكبرى بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم عرض تقريرهما المشترك حول مهمة الاقتصاد والتخطيط من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026.
وتمّ إثر ذلك الشروع في النّقاش العام في جزئه الأوّل المتعلّق بمداخلات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم برئاسة السيد يوسف البرقاوي نائب رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وفي جزئه الثاني المتعلق بمداخلات أعضاء مجلس نواب الشعب، برئاسة السيّد أنور المرزوقي نائب رئيس مجلس نواب الشعب.
وتناول النقاش المواضيع التالية:
ثم تولّى السيد سمير عبد الحفيظ، وزير الاقتصاد والتخطيط، التفاعل مع مداخلات النواب، مؤكّداً أنّ مصالح الوزارة تعمل على الاستجابة لحاجيات المواطنين من خلال تجسيد توجّهاتها الاقتصادية القائمة على دعم التنمية القطاعية والجهوية وتحسين مردودية الحركية الاقتصادية.
وأوضح الوزير أنّ الوضع الاقتصادي العام يشهد تحسّناً ملحوظاً، حيث تم تسجيل نسبة نمو بـ2.4% خلال الثلاثي الثالث من السنة الحالية، وذلك بفضل تحسن أداء قطاعات الفلاحة، والسياحة، والصناعات الميكانيكية، وغيرها. وأضاف أنّه تمّ التحكم في عجز الميزان الجاري وبلوغ مستوى 150 يوم توريد من العملة الصعبة، إلى جانب تواصل المنحى التنازلي للتضخم الذي استقر عند 4.9%، وتحسن الترقيم السيادي لتونس. واعتبر أن هذه المؤشرات تعكس التعافي التدريجي للاقتصاد الوطني.
كما أفاد الوزير أنّه من المنتظر تحقيق نسبة نمو تقدّر بـ3.3% خلال السنة القادمة، مستندة إلى التعافي المسجّل في عدة قطاعات اقتصادية. وأكد أنّ الوزارة تعتزم تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحسين مناخ الاستثمار، من بينها التقدّم في إجراءات حذف الدفعة الثالثة من التراخيص والانطلاق في مراجعة كراسات الشروط المتعلقة بممارسة الأنشطة التجارية. كما شدّد على أنّ حوكمة منظومة الاستثمار تقتضي تجميع مختلف الهياكل المعنية في هيكل موحّد، مشيراً إلى أنّ الوزارة بصدد إعداد النصوص الترتيبية الخاصة بذلك.
وفيما يتعلّق بالتعداد العام للسكان، أبرز الوزير أنه عمل وطني جبّار أنجزه المعهد الوطني للإحصاء بالتنسيق مع وزارة الداخلية، ويمثّل رافداً أساسياً لعمليات التخطيط الاقتصادي والاجتماعي. كما بيّن أنّ المجلس الوطني للإحصاء يعمل حالياً على تحيين قانون الإحصاء.
وأشار السيد الوزير إلى أنّه تم خلال سنة 2025 إمضاء اتفاقيات خارجية لتمويل مشاريع استثمارية في مجالات الطاقة ونقل الفسفاط والصحة والفلاحة والموارد المائية، مؤكداً أنّ اللجوء إلى الاقتراض الخارجي يبقى مشروطاً بالجدوى الاقتصادية ومراعاة مؤشرات الدين العمومي، مع التزام تونس الكامل بالإيفاء بتعهداتها المالية. وأضاف أنّ نسق السحوبات شهد تحسّناً ليبلغ 46% سنة 2025 مقابل 38% في 2024.
وفيما يخصّ التعاون الفني، ذكر الوزير أنّ عدد المتعاونين والخبراء بلغ 27 ألفاً إلى غاية 31 أكتوبر 2025، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات، مشيراً إلى أنّ سنة 2025 تميزت بحركية متجددة في العلاقات جنوب-جنوب.
وبيّن الوزير أنّ وزارة الاقتصاد والتخطيط تواصل معاضدة مجهود الدولة في التنمية الجهوية من خلال برامجها الخصوصية، مؤكداً أنّ جميع الجهات معنية بالتنمية، وأن محدودية الموارد تفرض القيام باختيارات مبنية على مؤشر التنمية الجهوية الذي يأخذ في الحسبان البنية التحتية والوضع الاجتماعي وعدد السكان بكل منطقة. وأوضح أن الوزارة قامت بجلسات متابعة مع 24 ولاية خلال شهر جوان 2025 قصد بحث السبل في تسريع نسق انجاز المشاريع.
وشدّد على أن الوزارة تسهر على إعداد مخطط التنمية 2026-2030 وفق رزنامة تم ضبطها من رئاسة الحكومة، وتستند هذه الرزنامة إلى الدستور وقانون المجالس المحلية وقانون المجالس الجهوية وقانون المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وهذه القوانين حددت دور كل المتدخلين في مختلف المراحل من الإعداد إلى اقتراح المشاريع والمرافقة وصولا إلى التأليف بين النصوص، وهو ما قامت به الوزارة في احترام تام لكل الفاعلين في هذا المجال. وأبرز أن الوزارة تلقّت 03 عرائض فقط على إثر إعداد مشاريع التنمية التي بلغ عددها 586 مشروع، وذكّر أن الوزارة قامت بكل المجهودات ووفّرت كل الإمكانيات الممكنة لإنجاح هذا المسار في ظرف زمنيّ مختصر. وأكّد الوزير أن المخطط قيد الإعداد وهو في مرحلة التأليف على مستوى الوزارة ولن يكون له صبغة رسمية إلا بعد المصادقة عليه من قبل الوظيفة التشريعية.
وفي ختام كلمته، أجاب الوزير على مجموعة من الأسئلة ذات الطابع الجهوي والمحليّ.