استأنفت الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، مساء اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025، أشغالها برئاسة السيّد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، وبحضور السيّد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم والسيّد محمد علي النفطي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج والوفد المرافق له. وتضمّن جدول الأعمال عرض ومناقشة مهمة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026.
وعبّر السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب في مستهلّ الجلسة عن تقديره الكبير للعمل الذي تضطلع به وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج التي تتحمّل مسؤولية تنفيذ السياسات الخارجية التي يضعها رئيس الجمهورية، وتُناط بعهدتها مهمّة إيصال مواقف تونس وتوجهاتها الدبلوماسية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.
وأشاد رئيس المجلس بالمجهودات التي تبذلها الهياكل المركزية والبعثات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، مبرزًا أهمية انسجام التحركات الخارجية مع الثوابت الوطنية وخيارات الدولة وتوجّهات القيادة التونسية، بما يجعل صوت تونس عاليًا في المحافل الدولية، ويُكرّس رفضها للتبعية وتمسكها باستقلالية قرارها وسيادتها على مقدّراتها.
وفي هذا الإطار، عبّر السيد إبراهيم بودربالة عن الارتياح إزاء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، داعيًا الوسطاء إلى ضمان احترامه ووضع حدّ للخروقات اليومية. كما حثّ المجتمع الدولي على تحمّل مسؤولياته في مواجهة الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الكيان المحتلّ بحق الشعب الفلسطيني، مؤكّدًا أنّ هذه الجرائم تمثل وصمة عار في جبين الإنسانية. واكّد أنّ تونس ستظلّ ثابتة في دعمها المبدئي لنضال الشعب الفلسطيني المشروع وحقّه في تقرير مصيره واستعادة حقوقه غير القابلة للسقوط بالتقادم.
وختم بالتشديد على ضرورة تطوير الأداء الدبلوماسي الوطني ليكون في مستوى الرهانات الدولية والانتظارات الوطنية، خصوصًا في مجال الدبلوماسية الاقتصادية، بما يعزّز صورة تونس وإشعاعها ويسهم في دعم الاستثمار وتحفيز النمو وتوفير مقومات العيش الكريم للتونسيين داخل الوطن وخارجه.
ثمّ تولّت كلّ من لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وشؤون التونسيين بالخارج والهجرة بمجلس نواب الشعب ولجنة الاستثمار والتعاون الدولي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم عرض تقريرهما المشترك حول مهمة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج.
ثمّ فتح باب النقاش العام، حيث تمحورت تدخّلات النواب حول المحاور التالية:
◾️تكوين النواب وتأطيرهم في مجال الدبلوماسية في إطار الأكاديمية الدبلوماسية التونسية.
◾️الإحاطة بالكفاءات التونسية العاملة بالخارج وسنّ تشريعات تؤطّر هجرة الكفاءات وتحثّهم على المساهمة في المجهود الوطني.
◾️رقمنة الخدمات القنصلية وتقريبها من المواطنين المقيمين في الخارج.
◾️إحداث مركز دولي متعدد الإختصاصات للإستثمار في موقع تونس الإستراتيجي دبلوماسيا وإقتصاديا.
◾️دعم الدبلوماسية الرياضية والإستثمار في الأبطال العالميين التونسيين في مختلف الرياضات كالسباحة وكرة المضرب وغيرها..
◾️الإشادة بموقف الدولة التونسية في دعم القضية الفلسطينية.
◾️ضرورة التفاعل مع التوازنات العالمية لا سيما القطب الروسي الصيني.
◾️الاستثمار في الثقافة التونسية والتسويق للمخزون الحضاري والأثري الذي تزخر به البلاد.
◾️التشديد على سدّ الشغورات في التمثيليات الدبلوماسية التونسية وإحداث تمثيليات جديدة وفق إستراتيجية دبلوماسية مدروسة.
◾️ادانة البيانات والمواقف الصادرة عن بعض المنظمات الدولية التي تتدخّل في الشأن الداخلي للبلاد.
◾️ضرورة الترفيع في ميزانية وزارة الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج لكي تضطلع بالمهام الموكولة لها على أكمل وجه.
◾️اقتراح بعث "صندوق الكرامة" لإدماج العائدين إلى تونس في إطار الترحيل.
◾️مراجعة الخطاب التونسي في المنتديات الدولية.
◾️تفعيل تطبيقة E consulat مع الأخذ بعين الاعتبار كل توصيات.
التونسيين بالخارج من أجل تبسيط التعاملات مع المرفق العمومي.
وعقب النقاش العام، تولّى السيد محمد علي النفطي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، تقديم جملة من التوضيحات تفاعلاً مع تدخلات النواب، حيث أعرب في البداية عن شكره لما تقدّم به النواب من المجلسين من تقدير للأسرة الدبلوماسية الموسّعة ومن دعم للدور الذي لعبته دوما العلاقات الدولية التونسية منذ الاستقلال.
واعتبر الوزير أن الجلسة العامة فرصة للتذكير أن العلاقات الدولية تقوم على احترام السيادة الوطنية وهي تشكل حلقة من حلقات العمل الحكومي وتعمل بالأساس على استنباط الحلول الكفيلة بتلبية احتياجات الشعب التونسي وذلك عبر دفع قنوات وأدوات التعاون الدولي أو من خلال توفير التمويل الميسّر للمشاريع المبرمجة.
وأبرز السيد محمد علي النفطي أن الوزارة تولي أهمية مضاعفة وعناية خاصة بالتونسيين بالخارج وتعمل على توفير أرقى الخدمات لفائدتهم لا سيما من خلال الحوكمة القنصلية الجديدة التي تجنّب المقيمين بالخارج عناء الانتظار والتنقل وتمكّنهم من الحصول على الخدمات الإدارية عن بعد. وأوضح أن طلب المواعيد على منصة E consulat يشهد نسقا تصاعديّا وأن الوزارة تعمل بالتنسيق مع وزارة تكنولوجيا الاتصال على مزيد تطوير التطبيقة لا سيما من خلال إدراج خدمة استخراج جوازات السفر عن بعد، وهو ما يعكس الحرص الشديد على النهوض بالخدمات القنصلية.
وفيما يتعلق بمقتل الشاب التونسي على يد الشرطة الفرنسية، بيّن الوزير أن الآلة الدبلوماسية تحرّكت في الإبّان بإذن من رئيس الجمهورية، حيث تولى رئيس البعثة الاتصال بالخارجية الفرنسية والتعبير عن احتجاج تونس على هذه الحادثة، كما قام السيد كاتب الدولة بالموازاة مع ذلك، بما يتعين من مساع دبلوماسية ووقع فتح تحقيق تعهّدت به الشرطة الفرنسية بمرسيليا.
وعلى صعيد آخر، أوضح الوزير أن التمثيليات التونسية أنجزت أكثر من 200 ألف جواز سفر خلال سنة 2024، وتسجيل 25 ألف ولادة مع كل ما يترتب على ذلك من تسجيل وإستخراج للمضامين. كما تعمل الوزارة باستمرار على تعزيز البعد الاقتصادي بمختلف آليات التحركات الدبلوماسية على غرار جلب التمويلات للمشاريع التنموية وتعبئة موارد الدولة والبحث عن مواطن شغل للمهاجرين النظاميين التونسيين في شتى بلدان العالم.
وعلى الصعيد الأوروبي، أبرز الوزير أن الإتحاد الأوروبي هو الشريك الرئيسي لتونس وهذا الفضاء يحتضن أكبر عدد من جاليتنا منذ عقود، وفي هذا الإطار تعمل الوزارة على تقييم موضوعي بين تونس والإتحاد الأوروبي سينطلق هذا الأسبوع ومن المنتظر أن يفضي إلى إعداد تصوّر مستقبلي للعلاقات الثنائية يأخذ بعين الاعتبار ما اكتسبته تونس من خبرة ومن علاقات جديدة.
وشدّد الوزير على أن الوزارة انخرطت بكل إمكانياتها في البرنامج الوطني للترويج لزيت الزيتون بعنوان 2025 وتمّ تكليف كل بعثاتنا بالخارج بتنظيم أنشطة ترويجية في الأسواق التقليدية والجديدة في إطار برنامج سنوي معدّ مسبقا، وتحرص الوزارة على مضاعفة جهودها في هذا المجال خلال سنة 2026 من خلال دعم مشاركة بلادنا في أبرز المعارض الدولية وذلك بالتنسيق مع الوكالة التونسية للنهوض بالصادرات.
وأفاد الوزير أن الدبلوماسية الحديثة أصبحت تتّخذ أشكالا وأبعادا متعددة على غرار الدبلوماسية المناخية والبيئية وكذلك الدبلوماسية الثقافية التي تعزز التقارب بين الشعوب والدبلوماسية الصحية التي تواجه الأزمات والتحديات الصحية العالمية والدبلوماسية الرقمية.
وجدّد الوزير الموقف المبدئي الداعم لفلسطين ولحقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على كامل أراضيه، وقد شكّلت كل المناسبات الدولية فرصة للتذكير بموقف تونس المساند لفلسطين والمندّد بالعدوان الصهيوني، وستبقى تونس دولة متشبّثة بالسلم والعدل.
وفيما يتعلق بظاهرة الهجرة غير النظامية، اوضح السيد محمد علي النفطي ان تونس ترفض ان تكون ارض عبور او توطين او منصة تنزيل للمهاجرين، ولكنها ستبقى حريصة على احترام حقوق الانسان وكرامته باعتبار المهاجرين ضحايا الانظمة الاقتصادية لبلدانهم ولشبكات الاتجار بالبشر، وتونس تتعاطى بكل مسؤولية مع هذه الظاهرة في اطار احترام القوانين الدولية.
وفي هذا السياق، عملت تونس على الترفيع في مساهماتها المالية لدى المنظمة الدولية للهجرة قصد تنظيم برنامج للعودة الطوعية للمهاجرين الى بلدانهم الاصلية وقد شهدت هذه العملية تطوّرا ملحوظا حيث تمّ تسجيل عودة اكثر من 19 الف مهاجر إلى غاية أكتوبر 2025. كما أكّد تواصل التنسيق مع دول الجوار ومن المنتظر ان يعقد فريق العمل التونسي الجزائري الليبي اجتماعا ثانيا لتقريب وجهات النظر واتخاذ التدابير المشتركة والكفيلة بالحدّ من ظاهرة الهجرة غير النظامية.