عقدت لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية جلسة كامل يوم الثلاثاء 11 جوان 2024، واصلت خلال الحصة الأولى النظر في مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم بالوظيفة العمومية والقطاع العام، ونظرت خلال الحصة الثانية في مقترح القانون الأساسي المتعلق بتنظيم التصرف في الأراضي الدولية الفلاحية قصد إبداء الرأي فيه بناء على طلب لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري.
وخلال الجلسة الصباحية، تطرقت اللجنة إلى مقترح القانون المتعلق بانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم بالوظيفة العمومية والقطاع العام. وثمّن النواب هذه المبادرة التشريعية واكّدوا الأهمية التي تكتسيها خاصة من الناحية الاجتماعية بالنسبة الى عدد كبير من خريجي الجامعات التونسية الذين يعانون من عدة مصاعب ومشاكل جرّاء وضعية البطالة المطوّلة التي يعيشونها.
وخلال النقاش، تباينت الآراء بخصوص كيفية تناول هذا الموضوع من الناحية المنهجية والتشريعية باعتبار أنه سبق وأن صدر في شأنه قانون سنة 2020.
واعتبر عدد من النواب، من جهة أولى، أنه من المستحسن العمل على تنقيح القانون عدد 38 لسنة 2020 المؤرخ في 13 اوت 2020 المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي والذي لم يتم تفعيله نظرا لعدم صدور الأوامر الترتيبية في شأنه. كما أكّدوا ضرورة الاستماع إلى الجهة المعنية بتطبيق هذا القانون للوقوف على الأسباب الحقيقية التي حالت دون صدور تلك الأوامر، وذلك لضمان إعداد صيغة لهذا المقترح تكون قابلة للتفعيل.
وفي المقابل رأى أغلب النواب أنه من غير المجدي التوجه نحو تنقيح القانون عدد 38 لسنة 2020 باعتبار أنّ الفصل 6 منه ينص على أنّ استكمال تنفيذ هذا القانون يكون في مدة لا تتجاوز أربع سنوات إثر دخوله حيز التنفيذ بداية من المصادقة عليه وختمه ونشره بالرائد الرسمي، وهو ما يعني أنه سينتهي العمل بهذا القانون في غضون شهرين من الآن، مما يستوجب سن قانون جديد في الغرض انطلاقا من مقترح القانون المعروض حاليا على أنظار اللجنة يتم التنصيص فيه على كافة الضمانات التي تجعل منه نصا قابلا للتطبيق ويمكّن بالتالي من تحقيق الأهداف التي وُضع من أجلها.
وبناء على ما تمّ تداوله، قرّر أعضاء اللجنة مواصلة النّظر في هذه المبادرة التشريعية وذلك بتنظيم جلسات استماع إلى كل الجهات ذات العلاقة بهذا المقترح. وتم الاتفاق على البدء بطلب الاستماع في مرحلة أولى إلى الهيئة العامة للوظيفة العمومية برئاسة الحكومة ووزارة التشغيل والتكوين المهني، وذلك على ضوء الصيغة التوافقية الجديدة للمقترح، مشيرين إلى أنه سيتم تحديد مواعيد الاستماعات إلى بقية الجهات المعنية بناء على مخرجات جلسة الاستماع الأولى.
وخلال الحصة الثانية من جلستها، نظرت اللجنة في مقترح القانون الأساسي المتعلق بتنظيم التصرف في الأراضي الدولية وذلك قصد إبداء الرأي فيه بناء على طلب لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري بتوصية من مكتب مجلس نواب الشعب.
ودار نقاش أشار من خلاله النواب أنّ هذا المقترح يتأسس على هيكلة جديدة غايتها تقريب الخدمات إلى المناطق الداخلية في إطار اللامركزية خاصة في ظلّ الصّعوبات والمشاكل التي يشهدها ديوان الأراضي الدولية.
وأفاد أغلب النواب أنّ تراجع مردودية الأراضي الدولية الفلاحية التي أصبحت تمثّل عبئا على الميزانية يعود بالأساس إلى العجز المالي الهيكلي جرّاء تفاقم المديونية، إضافة إلى ضعف نسق الاستثمارات وتضاعف حجم الأجور وعدم إعداد التقارير الفنية التقييمية الدورية من قبل إدارة التدقيق الداخلي، هذا إلى جانب توسّع المناطق العمرانية الذي أدّى إلى تغيير صبغة عدد من الأراضي الفلاحية.
واعتبر أغلب النواب أنه بسبب كل هذه العوامل وغيرها، تفاقمت المشاكل والصعوبات التي يعاني منها الديوان إلى درجة أنه أصبح يشكو أساسا سوء الحوكمة والتصرّف، مما أدّى إلى حالة من العجز عن تسيير هذا المرفق العمومي.
وتطرق النواب الى مقترح هذا القانون وما يطرحه من حلول بديلة لديوان الأراضي الدولية، واعتبروا أنّ التوفّق في تطبيق آليات الحوكمة الرشيدة وبالتالي تحسين مردودية الأراضي الدولية الفلاحية لن يكون من خلال حل الديوان القائم وتعويضه بخمسة دواوين فلاحية إقليمية، بل يمكن أن يكون من خلال تجاوز الإشكاليات التي يشهدها الديوان بطريقة علمية تواكب أحدث التطوّرات في مناهج التصرف والحوكمة مع ضرورة توفر الإرادة لدى كل الجهات المسؤولة لإحداث التغيير والنقلة الحقيقية. كما أكدوا ضرورة القيام بالتشخيص الجدّي والدقيق للوضع الحالي للديوان وتحديد المسؤوليات والمحاسبة في حال ثبوت وجود تجاوزات، وذلك بغاية الرّدع والحدّ من تنامي ظاهرة الفساد وسوء الحوكمة.
واعتبر بعض النواب أنّ سوء التصرّف راجع بالأساس إلى غياب استراتيجية واضحة وناجعة للتصرف في الأراضي الدولية التي تشكو عديد المشاكل على غرار الإشكاليات العقارية وانخرام منظومة المياه وتغوّل كبار المستثمرين الخواص ولوبيات الفساد في القطاع الفلاحي.
وبيّنوا أن هذه الأوضاع والعراقيل حالت دون تحقيق الغاية الأساسية من الاستثمار في الأراضي الدولية الفلاحية المتمثلة في الرفع من وفرة الإنتاج وانتظام تزويد الأسواق والتحكّم في مسالك التوزيع والحدّ من المضاربة والاحتكار والتحكم في الأسعار بما يدعم القدرة الشرائية للمواطن وتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يعتبر من أهم مقومات الأمن الغذائي والأمن القومي.
واقترحوا في هذا الإطار إمكانية تنظيم يوم دراسي حول واقع الأراضي الدولية الفلاحية وسُبل تحسين استغلالها والرفع من مساهمتها في الإنتاج الوطني وذلك بدعوة خبراء ومختصين في المجال.
من جهة أخرى، ولغاية تحقيق الأهداف المرجوّة من هذا المقترح، أكد عدد من النواب ضرورة أن توضح فصوله مهام الدواوين الفلاحية المنصوص عليها ضمنه وذلك لضمان عدم تشتّت القرارات وتجنبا لإمكانية تداخل صلاحياتها ومهامها مع تلك الراجعة بالنظر إلى المندوبيات الجهوية الفلاحية.
كما استفسر نواب آخرون عن مدى انسجام هذا المقترح مع التوجّهات الاستراتيجية لسياسة الدولة بصفة عامة ولسياستها في المجال الفلاحي بصفة خاصة، موصين بضرورة الأخذ بعين الاعتبار بهذه المسائل والجوانب الهامة جدا حتى يكون لهذه المبادرة التشريعية ولغيرها من المبادرات الأخرى أوفر حظوظ التطبيق على أرض الواقع وأوفر الضمانات لتحقيق الأهداف التي وُضعت من أجلها.
وفي ختام جلستها، قرّرت اللجنة مواصلة النظر في مقترح هذا القانون مع إمكانية عقد جلسات استماع مشتركة في شأنه بالتنسيق مع لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري المتعهدة به.