نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب، اليوم الاثنين 03 جوان 2024 بمبادرة من لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح، يوما دراسيا برلمانيا حول الأمن السيبرني، أشرف عليه السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب وحضره نائبا رئيس المجلس، وعدد من النواب والضيوف من الوكالة الوطنية للسلامة السيبرنية، ووزارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية.
وبيّن السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب في مفتتح الأشغال، أنّ هذا اليوم الدراسي يندرج في سياق منهجية العمل التي أقرّها مكتب المجلس والمرتكزة على التباحث والنقاش مع مختلف الكفاءات الوطنية من أجل تعميق النّظر في المبادرات التشريعية والمواضيع الهامة بما يسهم في تطوير العمل البرلماني ويضفي عليه مزيدا من النجاعة.
واعتبر رئيس مجلس نواب الشعب أنّه في ضوء التحوّلات التكنولوجية وتطوّر المنظومات الرقمية بات من المهم التباحث حول "الأمن السيبرني" وكيفية حماية المعطيات المخزّنة في الفضاء السيبرني، فضلا عن مجابهة المخاطر والتهديدات المتّصلة بسوء استخدام هذه التكنولوجيات.
وبيّن السيد عادل ضياف رئيس لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح أهمية دراسة موضوع الأمن السيبرني من جميع جوانبه باعتبار تداعياته على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل التطور التكنولوجي المتسارع الذي يعيشه العالم. وأكّد ضرورة التوقّف عند أهم الخطوات التشريعية والمؤسساتية المتّخذة في هذا المجال في ضوء الثورة التكنولوجية والرقمية التي يحتكمها التطوّر السريع والمكثف لاستعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في جميع المجالات . ودعا الى ضرورة معاينة الإمكانيات والخدمات التي وفّرتها هذه الثورة التكنولوجية فضلا عن تطوّر المفاهيم المستجدة على غرار الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وشبكات التواصل الاجتماعي والبيانات المتسلسلة.
كما أشار الى الاستعمالات المكثفة والموسعة للانترنات خلال جائحة كورونا والتي شملت مختلف المجالات الحيوية، مذكّرا بدور ها الهام في فكّ العزلة عن الأشخاص والمناطق مع مواصلة تأمين الخدمات للجميع. واعتبر أنّ التحوّل الرقمي أصبح ضرورة وليس خيارا رغم تسبّبه في ارتفاع منسوب المخاطر والتهديدات السيبرنية. واكّد ان تركيز اطار تشريعي ومؤسساتي سيبرني أمني يعد من اهم شروط نجاح الاستراتيجية الوطنية الأمنية لضمان سلامة الفضاء السيبرني من كل المخاطر والجرائم المرتكبة .
وقدّم السيد ياسين جميل المدير العام للوكالة الوطنية للسلامة السيرنية مداخلة حول النظام السيبرني والمفاهيم المتعلقة به. ودعا الى إيلاء الأهمية القصوى لهذا الموضوع باعتبار ارتباطه بمكوّن جديد وهو الفضاء السيبرني الذي يعدّ امتدادا للدولة فضلا عن ارتباطه بالتحولات التكنولوجية في العالم.
وأفاد ان الحديث عن الفضاء السيبرني الوطني يتنزّل في إطار المرسوم عدد17 الصادر في 11 مارس 2023 المتعلق بالسلامة السيبرنية والذي يهدف إلى تنظيم مجال السلامة السيبرنية وضبط المهام الموكولة للوكالة الوطنية للسلامة السيبرنية والآليات المخولة لها لضمان سلامة الفضاء السيبرني الوطني. وعرّف الفضاء السيبرني كفضاء رقمي افتراضي وهو امتداد الدولة الى جانب الفضاء البري والبحري ، مؤكّدا ضرورة الوقوف على خصوصيته وتعقيداته من اجل إرساء طرق الحماية والردع.
وأضاف أن الفضاء السيبرني هو مجموعة التدابير والوسائل والتراتيب التي تمكّن من حماية مكوّنات هذا الفضاء و تساهم في تحسين مستوى خدماته وبالتالي مستوى السلامة السيبرنية وتوفير استمرارية خدماتها.
وأشار الى ان التوجّه الاستراتيجي للدولة التونسية تحوّل من الأمن المعلوماتي الى الامن السيبرني وان التحديات اليوم تتجه نحو تحيين النصوص القانونية في هذا المجال من أجل حماية الدولة والافراد من المخاطر السيبرنية التي رافقت الثورة الرقمية والصناعية.
وأضاف أن خصوصية هذا الفضاء تتسم بغياب الحدود الجغرافية، وأن الاشكال اليوم يكمن في ثغرات في مكونات الفضاء السيبرني بما يسهّل عملية الهجمات السيبرنية. واعتبر ان حماية هذا الفضاء العابر للحدود يتطلب تكثيف التعاون الدولي للتصدي للهجمات السيبرنية، فضلا عن تحيين النصوص القانونية ووضع المكوّنات اللازمة لحمايتة ، بالموازاة مع مواكبة التطور التكنولوجي.
واكد ان التعاون بين الوكالة الوطنية للسلامة السيرنية و وزارة الدفاع مستمر من أجل الترفيع في عدد المراكز القطاعية الى جانب تحديث مؤشرات السلامة المعلوماتية وتحيين الاستراتيجيات بما يواكب الثورة التكنولوجية والرقمية.
من جهته قدّم العقيد محمد نضال الماجري مدير السلامة المعلوماتية والأمن السيبرني بوزارة الدفاع الوطني، مداخلة حول الامن السبرني لكبار المسؤولين، شدّد خلالها على أهمية دراسة التغيّرات السريعة التي يشهدها العالم في هذا المجال. وأكّد ضرورة التمييز بين نظام الإعلامية والنظام المعلوماتي وتوفير اليات حماية النظام المعلوماتي وبنك المعطيات.
وأوضح أنّ السلامة السيبرنية تقوم على ركائز السلامة البدنية والتقنية والترتيبية، مؤكدا ان 45 بالمائة من الهجمات السيبرنية حدثت من الداخل.
كما بين ان الجرائم السيبرنية عابرة للقارات، مشيرا الى ضعف الاطار القانوني المنظّم لها، وداعيا الى أهمية تكثيف التعاون الدولي لمزيد حماية هذ العالم من المخاطر والجرائم الالكترونية التي تتطور من يوم الى اخر . كما أشار الى مخاطر استعمالات الفضاء السيبرني في بيع المواد الخطرة والممنوعة، فضلا عن الترويج للمنظومات الإرهابية وعمليات الدمغجة وغيرها.
كما قدّم عددا من المعطيات حول بعض الاختراقات والهجومات التي جدّت في العالم ضدّ منظومات معلوماتية وضد كبار المسؤولين وشملت عديد الدول المتقدّمة تكنولوجيا، مؤكّدا أن الذكاء الاصطناعي يخلق عديد الإشكاليات في المنظومة القانونية لا سيما عند المحاسبة و محاولة التصدّي.
من جهته قدّم العقيد محمد علي بن عمر مدير التشفير بوزارة الدفاع الوطني مداخلة عن السيادة الرقمية، مؤكّدا التجاذبات الجيوسياسية التي اثارها في العالم، ومبرزا أن السيادة الرقمية أصبحت رديف السيادة الوطنية.
وأوضح أن الحدود الرقمية هي حدود وهمية، يستحيل التحكّم فيها في ظلّ التطوّرات التكنولوجية. وبيّن أن الرفاهية الرقمية تجعلنا اليوم في تبعية الى منظومات رقمية نستعملها في كل المجالات الحيوية لا سيما ان هناك عديد التطبيقات التي يقع تضمينها خارج حدود الوطن وتتعلق بالصحة وعديد المجالات الأخرى.
وأفاد ان عديد النظم المعلوماتية تعمل على تجميع المعطيات الشخصية للافراد من اجل التعرف على ميولات المجموعات وتوجيهها، مع بيع هذه المعطيات في بعض الأحيان. واعتبر أن الحلّ يكمن في حماية أجهزة الدولة وان الحوسبة السحابية يجب ان تبقى في الفضاء التونسي الى جانب الحد من امتداد الشركات العالمية لاسيما التي تمثل مصدر مخاطر وتهديدا لأجيال كاملة، فضلا عن عمليات توجيه استعمال المنظومات المفتوحة المصدر.
واكد ان وزارة الدفاع كانت سبّاقة في جدّية التعامل مع تأمين السيادة الرقمية ، مشدّدا على أهمية مزيد دعم هذا الموضوع الجوهري الذي يهم الامن قومي ولا سيما عبر سن التشريعات اللازمة لحماية الفضاء الرقمي.
وقدّم السيد عادل الخياري المدير العام للمصالح الفنية بوزارة الداخلية مداخلة حول تحديات الامن السيبرني والجرائم المتصلة به وطرق مكافحتها والتوقّي منها. وبيّن أنّ الأمن السيبرني يقوم على مجموعة من الإجراءات والتدابير والوسائل لتأمين الأنظمة والخدمات والبيانات بالفضاء السيبرني ومكافحة الجرائم المتصلة به.
وبّين أن 72 بالمائة من الاختراقات ناجمة عن أخطاء بشرية، مذكّرا أن 25 بالمائة من المستخدمين يحتفظون بمعطياتهم الشخصية في أجهزتهم ، وحذّر من ذلك.
كما أشار الى التحديات الراهنة في هذا الفضاء السيبرني لا سيما منها التهديدات العابرة للحدود و انعدام الحدود الجغرافية إضافة الى التطبيقات الغير خاضعة للسيادة التونسية ومخاطر التأثيرات الخارجية وتنامي التهديدات وسوء استغلال الفضاء السيبرني ومخاطر الاختراقات على غرار الثغرات الفنية والاخطاء البشرية والبرمجيات الخبيثة.
كما قدّم أمثلة عن عديد الجرائم السيبرنية المرتكبة في الفضاء الافتراضي التونسي سنة 2023 ، مبيّنا أن 38 بالمائة منها جرائم حق عام ، و19 بالمائة جرائم ذات صبغة إرهابية.
وقدّم مجموعة من التوصيات بخصوص طرق التوقي من الجرائم السيبرنية ومكافحتها على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي لا سيما التأمين المادي لمحيط العمل وفصل الاستعمال الشخصي عن المهني وتعطيل الخدمات الغير ضرورية، وتجنّب نشر المعطيات الشخصية والولوج الى الروابط الالكترونية المشبوهة وغيرها.
وأشار في ختام مداخلته الى الاشكاليات المتصلة بالتطور التكنولوجي وما يحفّ به من مخاطر وتحديات تصل الى حد الحروب السيبرنية، فضلا عن صعوبة الحصول على التطبيقات الناجعة في مجال التقصّي السيبرني والتحليل الجنائي الرقمي.
وخلال النقاش العام طرح النواب جملة من الاستفسارات المتعلّقة بمدى تحيين استراتيجية الدولة في حماية منظومة الأمن السيبرني تماشيا مع التطوّر السريع للتكنولوجيات الحديثة ومدى استعداد تونس لحرب سيبرنية. وتمّت الإشارة الى الاختراقات التي حصلت في المنظومة الصحية المتعلّقة بالتلاقيح لا سيما خلال جائحة كورونا.
كما تم التطرق الى أهمية التصدّي لمخاطر الفضاء الافتراضي ولا سيما انتشار عديد التطبيقات المتعلّقة بالالعاب القتالية والمدمغجة ، فضلا عن الاتجار بالعديد من المواد الممنوعة التي تشكل مخاطر متنوعة.
كما طالب المتدخّلون بتعزيز اليات حماية الفضاء السيبرني ودعم جهود كفاءاتنا الوطنية في هذا المجال من اجل حماية سيادتنا الرقمية وامننا القومي