وخُصّصت الجلسة العامة المنعقدة صباح يوم الأحد 23 نوفمبر 2025 لمناقشة مهمة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 وذلك بحضور السيّد عزالدين بن الشيخ وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والوفد المرافق له.
واستهلّ رئيس مجلس نواب الشعب العميد إبراهيم بودربالة، الجلسة بكلمة أكّد فيها أنّ مناقشة مشروع ميزانية مهمة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري لسنة 2026 تقتضي استحضار المكانة المحورية لهذه الوزارة، لما تشرف عليه من قطاعات حيوية يُنتظر منها أن تضطلع بدور حاسم في تحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي، وهما من أبرز التحديات الوطنية والدولية الراهنة. وبيّن أنّ هذه الوزارة تمثّل ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، بالنظر لما تضطلع به من مسؤولية ضمان مقومات العيش الكريم للتونسيات والتونسيين في مختلف جهات البلاد.
وأشار إلى أنّ هذه المسؤولية الجسيمة لا يمكن الإيفاء بها دون المضيّ قدما في الإصلاحات الضرورية التي تتناغم مع الخيارات الوطنية الكبرى، القائمة على مبدأ التعويل على الذات وتعزيز مقومات السيادة الوطنية واستقلالية القرار، مع وضع الإنسان في صميم السياسات العمومية، ضمن دولة اجتماعية وعادلة تعمل على حسن توظيف الثروات الوطنية وتحقيق التوازن المطلوب بين البعد الاجتماعي ومقتضيات التنمية وشروط الانتعاش الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، جدّد رئيس المجلس التأكيد على ثبات التوجّه نحو تجسيد هذه الخيارات في مختلف القطاعات، وفي القطاع الفلاحي على وجه الخصوص، داعيا الوزارة إلى مضاعفة الجهد من أجل تدعيم المكتسبات والبحث عن السبل الكفيلة بمواجهة التحديات المتزايدة، ولا سيما تلك الناجمة عن التقلبات المناخية والأزمات الإقليمية والدولية. كما شدّد على ضرورة إعداد سياسات وخطط فلاحية إصلاحية ومبتكرة، ترتكز على رؤية مستقبلية منسجمة مع المحاور الاستراتيجية للمخطط التنموي للخماسية القادمة، بما يجعل من القطاع الفلاحي لا مجرّد مصدر للغذاء والماء والمواد الأولية فحسب، بل ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني وقطاعا إنتاجيا رئيسيا مساهما في النمو وخلق الثروة والحد من البطالة.
وفي سياق متصل، أكّد أنّ الوظيفة التشريعية بمجلسيها تتقاسم مع السلطة التنفيذية مبدأ السيادة الغذائية باعتباره ركنا أساسيا من أركان السيادة الوطنية، وهي على استعداد كامل للمساهمة الفاعلة في كلّ المبادرات الموجّهة لتجاوز الصعوبات والنكسات التي مرّت بها المنظومات الفلاحية نتيجة السياسات السابقة. كما عبّر عن التزام المجلس بالنظر الجدّي في الإصلاحات التشريعية المزمع تقديمها، وبالعمل المشترك عبر الأكاديمية البرلمانية لتنظيم الأيام الدراسية وورشات التفكير حول أبرز الملفات الملحّة، قصد بلورة التصورات والحلول التي يتطلّبها الوضع الراهن.
ثم تولّت كلّ من لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري بمجلس نواب الشعب ولجنة القطاعات الانتاجية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم تقديم التقرير الذي تمّ إعداده من طرفهما حول مهمة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026.
وتمّ إثر ذلك الشروع في النّقاش العام في جزئه الأوّل المتعلّق بمداخلات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم برئاسة السيد عماد الدربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم وفي جزئه الثاني المتعلق بمداخلات أعضاء مجلس نواب الشعب، برئاسة السيد انور المرزوقي، ثمّ السيدة سوسن المبروك نائبي رئيس مجلس نواب الشعب.
وتناول النقاش المواضيع التالية:
وفي تفاعله مع مداخلات النوّاب، قدّم وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، السيّد عزالدين بن الشيخ، جملة من التوضيحات والإجراءات ضمن مختلف القطاعات الراجعة بالنظر للوزارة، مؤكدًا أنّ نسق التزويد بالأسمدة بلغ 1400 طن يوميًا رغم التراجع الظرفي المسجّل، مع الحرص على توفير مادة الأمونيتر ووجود مخزون يفوق 1000 طن. كما أشار إلى أنّ ميزانية تكوين المخزون الاحتياطي للبذور ارتفعت من 28 إلى 47 مليون دينار، أي بزيادة بنسبة 68%.
وفي ما يخصّ الثروة الحيوانية، أوضح الوزير أنّ تقلّص قطيع الأبقار بنحو 20% نتيجة الشحّ، دفع إلى اتخاذ إجراءات هيكلية، منها إحداث الديوان الوطني للأعلاف وتحسين الوضع الصحي للقطيع، وهو ما سينعكس إيجابيًا على منظومة اللحوم الحمراء. كما تمّ تقديم برامج لدعم قطاع الإبل والبكاري ومعالجة ندرة “السداري” عبر توزيع الأعلاف حسب حاجيات كل فلاح.
وفي ملف الأضاحي، أكد العمل على إعداد برنامج خصوصي لتأمين تزويد السوق خلال عيد الأضحى، على أن يُعلن عن تفاصيله لاحقًا. أمّا قطاع زيت الزيتون، فقد شهد سلسلة اجتماعات منذ ماي 2025 انتهت إلى تكليف الديوان الوطني للزيت بادخار مخزون بين 100 و150 ألف طن، باعتماد أسعار مشجّعة تفوق تلك المقترحة من الخواص، إلى جانب إسناد 230 قرضًا للفلاحين والتحفيز على التصدير.
وفي ما يتعلّق بسلامة المنتوجات، شدّد الوزير على منع توريد النباتات المعرّضة للأمراض وتشجيع الإنتاج المحلي، ووضع خطة وطنية لمكافحة الحشرة القرمزية عبر تعزيز النظام البيئي ونثر الدعسوقة وإطلاق برنامج تقليم خلال شهر مارس، مع التأكيد أنّ الدعسوقة لا تمثّل أي خطر على المنتوجات الفلاحية. كما تولي الوزارة أهمية كبرى لقطاع التمور ومكافحة الآفات على غرار عنكبوت الغبار.
وبخصوص صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية، تمّت المصادقة على كامل ملفات تعويضات موسم 2023-2024 والانطلاق في استكمال صرف الاعتمادات، إضافة إلى التحضير لفتح اكتتاب جديد للفلاحين. أمّا ملف سباق الخيل، فقد استُؤنفت السباقات بولاية منوبة بداية من 26 نوفمبر 2025 مع الالتزام بالمعايير الصحية ومكافحة داء السلّ، وذلك ضمن مقاربة علمية تعتمدها أوروبا، إلى جانب انتداب 70 بيطريًا لتعزيز الهياكل.
وفي المحور العقاري، أوضح الوزير أنّ تغيير صبغة الأراضي الفلاحية يبقى إجراءً استثنائيًا قد يهدّد الأمن الغذائي، كما تمّ إعداد مشروع أمر لإحداث الديوان الوطني للتمور لكن تداخل الصلاحيات حال دون استكماله. كما سيتمّ إحالة مجلة المياه إلى البرلمان بعد المصادقة عليها في مجلس وزاري. وبخصوص عمال الحضائر، أفاد بأنّ العمل متواصل لتسوية وضعياتهم وتنفيذ الترقيات المرخّص فيها بالنسبة لباقي الاعوان الراجعين بالنظر للوزارة.
وأشار الوزير إلى أنّ وكالة الاستثمار الفلاحي أصبحت أوّل هيكل وطني يتحصّل على اعتماد صندوق الأخضر للمناخ، بما يمكّن من تعبئة هبات مخصّصة للتأقلم مع التغيّرات المناخية. كما تمّ تسجيل تحسّن في مخزون السدود رغم الضغط الكبير على المياه الجوفية، مع تنفيذ إصلاحات هيكلية داخل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وتشمل إحداث إدارات جهوية وسبعة أقاليم جديدة، وشراء مضخات وعدادات لضمان حسن التصرف.
وفي قطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية، تعمل الوزارة على دعم البحارة، وتحسين جودة المنتوج، وتوسعة الموانئ، ومكافحة الصيد العشوائي، وتحديث الإطار القانوني والرقمنة والتغطية الاجتماعية، بما يعزز القدرة التنافسية للقطاع. كما أكد الوزير متابعة ملفات الفساد داخل المؤسسات الراجعة للنظر للوزارة وإحالتها إلى القضاء بالتنسيق مع هيئات الرقابة.