عقدت لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية بمجلس نواب الشعب ولجنة المخططات التنموية والمشاريع الكبرى بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم جلسة مشتركة يوم الاثنين 03 نوفمبر 2025 للاستماع إلى وزير التجهيز والإسكان حول مشروع ميزانية مهمة التجهيز والإسكان لسنة 2026، وذلك برئاسة السيدين صابر الجلاصي ومحمد الكو رئيسا اللجنتين وبحضور السيد ثامر المزهود نائب رئيس اللجنة والسيد صالح السالمي المقرر، وأعضاء اللجنة السيدة آمال المؤدب، والسادة طارق مهدي، وحمدي بن عبد العالي، وشفيق عزالدين الزعفوري، وسامي الحاج عمر، بالإضافة إلى عدد من النواب من غير أعضائها.
وأكّد رئيسا اللجنتين في بداية الجلسة الدور المحوري الذي تضطلع به وزارة التجهيز والإسكان في علاقة بالحياة اليومية للمواطن وفي تحقيق التنمية المتوازنة والعادلة ولاسيما من خلال الأهداف المرسومة ضمن مخطط التنمية 2026-2030. وأشارا إلى مشكل البيروقراطية والتعطيلات الإدارية التي لازالت تمثّل عقبة حقيقية أمام تنفيذ العديد من المشاريع رغم ما توفره الدولة من موارد واستثمارات في هذا القطاع الحيوي. كما أكّدا ضرورة العمل على تنسيق الجهود بين الوزارات لتحقيق التكامل على مستوى السياسات التنموية والتقليص من الفوارق التنموية بين الجهات عبر توزيع المشاريع بصفة عادلة وحسب الأولويات. وشدّدا كذلك على ضرورة إيلاء أهمية خاصة للبنية التحتية الريفية وللحلول الناجعة للتوقي من مخاطر الفيضانات ومجابهتها.
وقدّم وزير التجهيز والإسكان عرضا تضمّن الإطار العام لمشروع ميزانية مهمة التجهيز والإسكان لسنة 2026 وأبرز ملامحها ومؤشراتها. وأكّد أنه تم إعدادها بالتركيز على عدد من المحاور الاستراتيجية من منطلق الحرص على تنفيذ السياسات العامة للدولة والسير في مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتوجهات العامة لإعداد ميزانية الدولة لسنة 2026 ومضمون السياسات العمومية لمشروع مخطط التنمية 2026-2030 والتوجّهات الاستراتيجية للوزارة إلى أفق سنة 2035.
وبيّن أن هذه المحاور تتمثل أساسا في تطوير وصيانة شبكة الطرقات بجميع مكوّناتها، والحد من مخاطر الفيضانات وحماية الشريط الساحلي، وإحكام إنجاز بنايات مقتصدة للطاقة وصديقة للبيئة، بالإضافة إلى تهيئة ترابية وعمرانية وسياسة سكنية مستدامة وشاملة وميسرة للجميع.
كما تطرّق إلى التوجهات العامة لإعداد الميزانية لسنة 2026 والتي تتمثل بالأساس في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية من أجل تحسين الظروف المعيشية وتطوير خدمات المرافق العمومية، وحسن إدارة المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية والحد من تأثيراتها، وتشجيع الاستثمار في مجال الطاقات النظيفة والمتجددة وتثمين الموارد الوطنية، إضافة إلى دعم الاستثمار العمومي ومواصلة العمل على فضّ الإشكاليات الخاصة بالمشاريع العمومية المعطلة بهدف التسريع في إنجازها وخاصة بالنسبة للمشاريع الممولة بقروض خارجية موظفة.
وأوضح أن مشروع ميزانية مهمة التجهيز والإسكان بعنوان سنة 2026 يعتمد التوجهات العامة لإعداد الميزانية مع إعطاء الأولوية للنفقات الإلزامية والوجوبية السابقة والمشاريع المتواصلة. وأفاد في هذا الإطار أن اعتمادات الدفع لمهمة التجهيز والإسكان سجلت تطورا بـ 6 % بين سنتي 2025 و2026 حيث ارتفعت من 2022 مليون دينار سنة 2025 إلى 2150 مليون دينار بعنوان سنة 2026 منها 1764 مليون دينار نفقات استثمار موجهة بالأساس إلى برنامج البنية التحتية للطرقات بمبلغ 1245 مليون دينار. كما شهدت اعتمادات التعهد لمهمة التجهيز والإسكان زيادة بين سنتي 2025 و2026 بحوالي 157 مليون دينار، حيث ارتفعت من 2061 مليون دينار سنة 2025 إلى 2218 مليون دينار سنة 2026 مسجلة بذلك ارتفاعا بحوالي 8 %. وبلغت اعتمادات التعهد الموجهة للاستثمار 1832 مليون دينار أي ما يقارب 82 % من مجموع تعهد المهمة.
وخلال النقاش، ثمّن أعضاء اللجنتين الدور الهام للوزارة في تحسين البنية التحتية وخلق مناخ ملائم للاستثمار، وتقدّموا بعديد التساؤلات والاستفسارات تعلّقت أساسا بضعف نسبة تطوّر ميزانية هذه المهمة أمام جسامة التحديات المطروحة خاصة فيما يتعلق باستكمال إنجاز المشاريع المعطلة والانطلاق في تنفيذ المشاريع الاستثمارية الجديدة. كما طالبوا بتوضيحات بخصوص أسباب تأخّر مراجعة قانون الصفقات العمومية بالنظر إلى التعقيدات التي أثّرت سلبا على نسق إنجاز المشاريع المعطلة، ومراجعة مجلة التهيئة الترابية والتعمير مع التأكيد على ضرورة تشريك الوظيفة التشريعية في كل مراحل إعداد هذه المجلة. وثمنوا بالمناسبة قرار إحداث الوكالة الوطنية للتهيئة الترابية والتعمير واستفسروا عن صلاحياتها ومجال تدخّلها وأوصوا بتوظيف الإطارات ذات الكفاءة العالية والاستفادة من ذوي الخبرة.
كما استفسر عدد من النواب عن برنامج السكن الاجتماعي وآلية الكراء المملّك، وعن إشكالية إزالة المساكن البدائية وبرنامج تهذيب الأحياء السكنية، منبّهين إلى تسجيل ارتفاع مشط في نسبة الفائدة البنكية الموظّفة على القروض السكنية وخاصة بالنسبة للفئات محدودة الدخل. كما تساءلوا عن مدى التزام الوزارة بتطبيق أحكام القانون المتعلق بالبنايات المتداعية للسقوط ومدى التقدم في إعداد النصوص التطبيقية المتصلة به.
وأشار عدد من أعضاء اللجنتين إلى تردّي البنية التحتية على مستوى الطرقات الرابطة بين المدن نتيجة غياب الصيانة وتوقف الأشغال في عدد منها مع تعطل التنوير العمومي، مطالبين بإدراج ذلك ضمن أولويات الوزارة. وفي سياق متصل، تم التطرق إلى مسألة كيفية تثمين فواضل البناء وإمكانية استغلالها والاستفادة منها في إنجاز الطرقات.
كما أثاروا اشكالية المسالك الفلاحية وضعف الاعتمادات المخصصة لهذا البرنامج، ودعوا إلى ضرورة تسريع تهيئة هذه المسالك بالنظر إلى دورها في فكّ عزلة الجهات الداخلية والنهوض بها في نطاق تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وترسيخ مقومات الدولة الاجتماعية العادلة.
وتطرق النواب إلى موضوع حماية المدن والمناطق العمرانية من الفيضانات وضرورة إيجاد حلول ناجعة لتصريف مياه الأمطار بصفة استباقية. واستفسروا عن خطة الوزارة بخصوص السلامة المرورية ومخفضات السرعة العشوائية والنقص المسجل في إشارات المرور.
كما نبّه عدد من النواب إلى التقصير الحاصل في العديد من الإدارات الجهوية للتجهيز والإسكان وتراجع دورها ودعوا بالمناسبة إلى ضرورة دعمها بكل الإمكانيات البشرية واللوجستية والمالية اللازمة للاضطلاع بدورها بما يستجيب إلى طلبات المواطنين ويحسّن من ظروف عيشهم.
وفي تفاعله مع أسئلة النواب واستفساراتهم، أفاد وزير التجهيز والإسكان أن الوزارة تعمل في إطار مخطط يمتد إلى أفق سنة 2035، كما أنه تم تحيين الدراسات ذات العلاقة مواكبة للتطورات ولمستقبل تونس في كل المجالات.
وبخصوص المشاريع المزمع إنجازها، أفاد أن توجّه الوزارة يتم في إطار استراتيجية واضحة تمت برمجتها صلب مخطط التنمية 2026-2030 وتمت بلورتها حسب الأولويات. وأشار في هذا الصدد أنه تم مؤخرا إسداء تعليمات واضحة إلى الولاة لدفع كل المشاريع المعطلة وأخذ القرارات في شأنها وأنه لوحظ تجاوب وتفاعل إيجابي بالسرعة القصوى من قبل كل الجهات المتدخلة. كما تم التأكيد خلال مجلس وزاري على ضرورة التنسيق أكثر بين الوزارات لتشخيص أسباب التعطل في إنجاز المشاريع واتخاذ القرارات بتقديم الحلول الناجعة لها وفق رؤية تشاركية، مثمنا التجاوب الكبير الذي أبدته وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية فيما يخص اقتناء الأراضي وذلك بالعمل على إيجاد الحلول للإشكاليات العقارية مما سيمكن من احترام آجال الإنجاز، كما تم كذلك فيما يخص المقاطع والمواد المقطعية التنسيق مع الجهات المختصة لإزالة العوائق وبالتالي حلحلة المشاريع المعطلة.
كما أفاد أن الوزارة وضعت استراتيجيات واضحة واتخذت جملة من الإجراءات التي لا بدّ أن تطبّق في الآجال المحددة وفق قوله، موضحا أنه يتم العمل على دفع المشاريع التي تشهد ضعفا في نسق الإنجاز والمشاريع المعطلة. كما يتم العمل على تكريس البعد التشاركي في إنجاز المشاريع على المستوى الجهوي وذلك من خلال تكثيف الزيارات الميدانية للوقوف على مدى تنفيذ كل ما تم ضبطه بالنسبة إلى المشاريع المعطلة، هذا بالإضافة إلى القيام بجملة من الدراسات ووضعها ضمن بنك معلومات يقع الاعتماد عليه للوقوف على مدى الجدوى الاقتصادية لما تم تصوره من مشاريع والبحث عن مصادر لتمويلها في صورة تبنيها قبل المرور في مرحلة أخيرة إلى الإنجاز.
وبخصوص الجانب التشريعي، أوضح وزير التجهيز والإسكان أن الوزارة اشتغلت خلال سنة 2025 على عدة تشريعات وأوامر في إطار ثورة تشريعية في المجالات ذات العلاقة بوزارة التجهيز والإسكان على غرار مجلة التهيئة الترابية والتعمير وإحداث الوكالة الوطنية للتهيئة والتعمير وتعميمها وتفعيلها في الجهات، والقانون المتعلق بالمقاطع والقانون المنظم لمهنة الباعثين العقاريين والقانون المنظم لصندوق النهوض بالسكن الاجتماعي علما وأن هذا الإجراء تم إدراجه ضمن قانون المالية لسنة 2026 وستشرع الوزارة في تطبيق البرنامج الجديد المتمثل في الكراء المملك مع الإشارة أنها بصدد إعداد كراس شروط في الغرض في القريب العاجل لتكون سنة 2026 انطلاق أول نواة ببعض المساحات العقارية وتشمل هذه العملية عديد المناطق لاحقا.
وبخصوص نص الأمر المنظم للصفقات العمومية، أفاد أن الوزارة أعدت مبادرة في الغرض تقدمت بها إلى رئاسة الحكومة وأفضت إلى اتفاق بعرض أمر جديد مع ضمان الجودة مما سيساهم في التقليص من تعقد الإجراءات الإدارية وحلحلة عديد المشاريع المعطلة والرفع من نسق الإنجاز.
وفيما يتعلق بتدعيم الإدارات الجهوية بالإمكانيات البشرية والمادية، أوضح وزير التجهيز والإسكان أن الوزارة تعمل على تزويد الإدارات الجهوية بالمعدات اللازمة في حدود الامكانيات المتاحة في كل ميزانية مقرا أن المعدات المتوفرة حاليا تقادمت وغير كافية من حيث عددها خاصة بالنسبة إلى الآلات الماسحة، وقد تم تخصيص 18 مليون دينار لاقتناء آلات ماسحة وتمت برمجة هذه الاقتناءات في الأشهر الأولى لسنة 2026 وتوزيعها على الجهات. كما أفاد أن الوزارة، في إطار السعي لحل مشكل ضعف الموارد البشرية، وضعت برنامجا للقيام بجملة من الانتدابات الجديدة خلال سنة 2026.
وبخصوص استغلال فواضل البناء وتثمينها، أوضح الوزير أن الوزارة بصدد التنسيق مع وزارة البيئة في إطار إجراء تجارب لإثبات مدى نجاعة عملية استصلاح جزء من الطريق بواسطة هذه الفواضل، وقد تم تسجيل نتائج إيجابية في الغرض، وتتابع الوزارة بصفة جدية هذا المشروع قصد إنجاحه مع إمكانية وضع فصول إجرائية ضمن كراسات الشروط لإجبار المقاولين على اقتناء هذه الفواضل بنسبة قد تصل إلى 20% من المواد الأولية الجملية للمشروع.
وحول مراقبة الشركات والمقاولات عند إنجاز المشاريع، أكد الوزير أن كل الآليات والضمانات للمراقبة موجودة وأن الوزارة ستتخذ كل الإجراءات الردعية والقانونية اللازمة عند تسجيل أي خلل أو تجاوز للمواصفات ولكراسات الشروط.
هذا وقد عبر وزير التجهيز والإسكان في ختام جلسة الاستماع عن انفتاح الوزارة واستعدادها للتفاعل بكل إيجابية مع أعضاء اللجنتين لوضع الأسس التشريعية المأمولة وفق رؤية تشاركية بين الوظيفتين التنفيذية والتشريعية بما يخدم مصلحة المواطن ويرتقي ببلادنا