عقدت لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 جلسة مشتركة مع لجنة الخدمات والتنمية الاجتماعية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم خصصت للاستماع الى وزير التشغيل والتكوين المهني حول مشروع ميزانية مهمّة الوزارة لسنة 2026 . وقد ترأس الجلسة رئيسا اللجنتين السيّد كمال فرّاح والسيّد هيثم الطرابلسي وبحضور السادة نجيب عكرمي ،وليد حاجي، فخر الدين فضلون، ومنير الكموني أعضاء اللجنة، وبحضور السيدة ألفة المرواني النائب المساعد لرئيس مجلس نواب الشعب وعدد من النواب غير الأعضاء باللجنة.
وفي مستهل الجلسة قدّم الوزير عرضاً أبرز من خلاله الدور المحوري الذي تضطلع به هذه المهمة في تنمية الراس المال البشري والمساهمة في الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية وطنيا ودوليا، مؤكداً أنّ الوزارة تعمل على تطوير منظومة التكوين المهني والرفع من ادائها، والمساهمة في الادماج الاقتصادي والاجتماعي لكافة الفئات وتحسين تشغيلية الباحثين عن شغل وخاصة حاملي الشهادات العليا، كما تعمل على دفع المبادرة الخاصة و نسق احداث الشركات الأهلية والمشاريع والمؤسسات الصغرى والمتوسطة بما يسهم في خلق الثروة وتحقيق العدالة الجهوية.
وأوضح الوزير أنّ مهمّة التشغيل والتكوين المهني تتوزع على أربعة برامج كبرى تشمل: برنامج التكوين المهني،وبرنامج التشغيل، وبرنامج تنمية المبادرة الخاصة، وبرنامج القيادة والمساندة، وهي برامج تندرج ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى دعم تنافسية المؤسسات وترسيخ مبدأ التعلم مدى الحياة والاستجابة الى متطلبات سوق الشغل.
وأفاد أن التوجهات الكبرى لميزانية سنة 2026 تتمثل في استحثاث نسق تنفيذ مشاريع البنية الأساسية لمراكز التكوين وتطوير برامج التشغيل والتكوين المهني بما يتماشى مع خصوصيات الجهات والقطاعات الاقتصادية ودعم المؤسسات الصغرى والمشاريع الأهلية في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني .
وفي عرضه لأهم ملامح ميزانية سنة 2026، أكّد الوزير أنّ ميزانية وزارة التشغيل والتكوين المهني لسنة 2026 تُعد رافعة أساسية ضمن السياسة الوطنية لتنمية الموارد البشرية وتعزيز الإدماج الاقتصادي والاجتماعي. وقد بلغت الميزانية الجملية للمهمة 1063,9 مليون دينار مقابل 1015,350 مليون دينار سنة 2025 أي بزيادة قدرها خمسة بالمائة. توزعت الاعتمادات بين برامج التكوين المهني بمبلغ 494,324 مليون دينار وبرنامج التشغيل بـ383,159 مليون دينار وبرنامج تنمية المبادرة الخاصة بـ161,3 مليون دينار وبرنامج القيادة والمساندة بـ25,117 مليون دينار.
وفي مجال التكوين المهني استعرض الوزير أبرز توجهات هذا البرنامج الهادفة إلى تطوير البنية الأساسية لمراكز التكوين، واستكمال تجهيزاتها، وإحداث اختصاصات جديدة، وتحيين المناهج البيداغوجية، إضافة إلى تعزيز مشاريع الصيانة وتجهيز 32 مركزاً في إطار الشراكات الدولية. وأفاد أن سنة 2026 ستشهد استحثاث نسق إنجاز المشاريع المبرمجة وإطلاق طلبات عروض لعدد من مراكز تكوين جديدة. مبينا في ذات السياق ان عدد المتكونين بلغ سنة 2025 حوالي 52 ألفًا وشملت التدخلات تطوير مراكز التكوين وتجهيزها بالمبيتات والمطاعم وقاعات التدريس وتحديث المناهج والمقاربات البيداغوجية مع إطلاق منظومة التسجيل عن بعد. كما تم دعم التكوين المستمر والترقية المهنية لفائدة 165 ألف عامل وتطوير هندسة التكوين وتكوين المكونين الذين بلغ عددهم 900 سنة 2025، فيما بلغت نسبة التعبئة بمراكز الوكالة التونسية للتكوين المهني 87 بالمائة سنة 2025.
وفيما يتعلق ببرنامج التشغيل، أوضح الوزير أنّ الوزارة تعمل على تنفيذ المخطط الوطني للتشغيل والمخططات الجهوية، وتطوير برامج المرافقة لفائدة الفئات ذات الأولوية على غرار فاقدي الشغل والعاملات الفلاحيات وذوي الإعاقة، فضلاً عن رقمنة خدمات 42 مكتب تشغيل وتحسين الوساطة عبر التشبيك بين العرض والطلب. كما أكد دعم التشغيل الدولي عبر اتفاقيات ثنائية تهم الهجرة المنظمة.
أما فيما يخص برنامج تنمية المبادرة الخاصة والشركات الأهلية، فقد أشار الوزير إلى التطور الملحوظ في هذا المجال، حيث تم إحداث 230 شركة أهلية وفّرت 380 موطن شغل، إضافة إلى تمكين 88 شركة من تمويلات تجاوزت 29.46 مليون دينار. كما تمّ تنقيح الإطار التشريعي عبر المرسوم عدد 3 لسنة 2025 بهدف تبسيط إجراءات التأسيس والحوكمة ومنح امتيازات مالية جديدة، فضلاً عن إطلاق منصة “مبادر” لتجميع خدمات الإحاطة والمرافقة. وأكد أنّ الوزارة تتجه نحو إحداث 400 شركة أهلية جديدة خلال سنة 2026 وتوسيع الانتفاع بنظام المبادر الذاتي ليشمل 5000 منتفع.
ولدى تفاعل اعضاء اللجنتين مع العرض المقدم دعا عدد من النواب إلى القطع مع المقاربة الكلاسيكية لمنظومة التشغيل والتكوين والتأسيس لرؤية استراتيجية جديدة تطبق على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وشددوا على ضرورة الترفيع في عدد المتكونين وتنويع الاختصاصات وإحداث اختصاصات جديدة وتقريبها من مراكز إقامة المنتفعين بالتكوين لتجاوز الإشكاليات اللوجستية على غرار نقص وسائل النقل ومحدودية طاقة استيعاب مبيتات مراكز التكوين وتوفير خدمات الإعاشة مع مراجعة الخارطة التكوينية بما يكفل العدالة وتكافؤ الفرص في الاندماج الاجتماعي والاقتصادي بين كل الجهات .
كما اعتبرت مجموعة من النواب أن إحداث اختصاصات جديدة يجب أن يكون مبنيا على تشخيص واقعي وموضوعي للاختصاصات الموجودة بالمراكز ونسب الإقبال عليها وربطها بالحاجيات الحقيقية الوطنية والجهوية وانفتاح مراكز التكوين المهني على النسيج الاقتصادي والصناعي للجهات وعلى حاجيات المؤسسات الاقتصادية. ومن بين الاختصاصات الجديدة للتكوين تمت الإشارة إلى الرقمنة والذكاء الاصطناعي والبيئة والاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر.
وأكّد النواب ضرورة التماهي مع رؤية المخطط التنموي ومع التقسيم الجديد للأقاليم. ودعوا إلى مراجعة برامج التمويل للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل وذوي الإعاقة والتمديد في آجال تقديم الترشحات للانتفاع ببرنامج المبادر الذاتي.
ولاحظ النواب أن عديد مراكز التكوين تشكو من اهتراء البنية التحتية ونقص التجهيزات وتقادمها. كما تم التطرق الى الوضعية المتدنية لعدد من المبيتات المخصصة لمراكز التكوين،مع الدعوة الى ضرورة التسريع في أشغال توسعتها وتهيئتها وتحسين ظروف الإقامة والاعاشة، اضافة الى توفير التجهيزات الضرورية بمايستجيب للتطور العلمي والتكنولوجي، مع توفير العدد الكافي من المكونين حسب الاختصاصات ومراعاة التمييز الإيجابي للجهات الداخلية والتوزيع العادل للاعتمادات المخصصة للبنية التحتية لمنظومة التكوين المهني.
وحول برنامج الشركات الأهلية تطرق المتدخلون إلى ضرورة التسريع بإصدار القرارات التوضيحية بعد تحيين الاطار التشريعي المتعلق بها بمقتضى المرسوم عدد 3 لسنة 2025 في إطار تجاوز الإشكاليات التطبيقية التي عرفها احداث هذه الشركات، داعين الى مزيد توضيح وتبسيط الإجراءات من طرف كل الهياكل المتداخلة وتنظيم دورات تكوينية في مجالات التصرف الإداري والمالي إضافة الى تدعيم الخطة الإعلامية والتحسيسية حتى يتمكن الشباب من الانتفاع بهذا المكسب وتسهيل إجراءات تخصيص الأراضي الفلاحية عبر دراسة الجدوى المالية والفنية وتنويع مصادر التمويل .
وطالب النواب بتكثيف حملات التوعية والتحسيس ببرامج الوزارة على غرار برنامج المبادر الذاتي. وعبروا عن استيائهم من تدهور وضعية مراكز الفتاة الريفية بعديد الجهات، داعين إلى التسريع في نسق أشغال التهيئة وتمكينها من التجهيزات وتحفيز المتكونين بها.
وطرح النواب عديد التساؤلات حول اعتماد الوزارة لبرنامج خصوصي يهتم بالتشغيل والتكوين يرتكز على الخصائص الطبيعية والاقتصادية والموارد البشرية بالجهات وخاصة المعتمديات ذات مؤشرات التنمية الضعيفة. كما تساءل النواب حول برنامج الوزارة بخصوص فتح آفاق للمتكونين الحاملين لشهادة تقني سامي للولوج إلى المدارس العليا للهندسة في اطار التكامل بين منظومتي التعليم العالي والتكوين المهني .
كما تم التساؤل حول إمكانية رصد اعتمادات مالية لانتداب أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم وعرض مخرجات الإستراتيجية الوطنية للتشغيل على مجلس نواب الشعب والتدابير والإجراءات الملموسة المعتمدة من طرف الوزارة لتشغيل ذوي الإعاقة.
وفي إجابته، أوضح الوزير أن وزارة التشغيل والتكوين المهني في إطار مهامها تتولى بلورة السياسة الوطنية في مجال التشغيل من خلال الانطلاق في تنفيذ مخرجات الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ومخططها العملي وطنيا وجهويا وانجاز 5 مخططات تشغيل على المستوى الجهوي والانطلاق في إرساء منظومة لليقظة واستشراف المهن من الكفاءات والتعرف على حاجيات سوق الشغل وطنيا ودوليا، وتأهيل الباحثين عن شغل وتيسير اندماجهم المهني، فضلا عن المساهمة في تقليص نسب البطالة عبر تحسين التدخلات في البرامج النشطة للتشغيل.
وفي تفاعله مع الإشكاليات المطروحة حول تطوير برامج التكوين المهني وحالة البنية التحتية لعدد من مراكز التكوين، أشار الوزير الى أن برامج التكوين المهني تكرس قيمة العمل والتعويل على الذات وتستجيب لحاجيات سوق الشغل في تكامل مع منظومة الموارد البشرية، مبينا أن أهم الإجراءات المعتمدة تتمثل في إعداد وتنفيذ برنامج الصيانة والتجهيزات لمراكز التكوين بما يمكن من تحسين جاهزيتها حيث تدخلت الوكالة التونسية للتكوين المهني في أكثر من 70مؤسسة فرعية عبر برامج صيانة شاملة، بميزانية قدرت بـ 8 م د، بهدف ضمان استمرارية النشاط وتحسين ظروف التكوين والإقامة والاعاشة، إضافة الى عديد برامج التوسعة التي ستشمل عددا آخر من المبيتات وتزويدها بالتجهيزات وفق دراسة دقيقة للحاجيات الفعلية لكل مؤسسة مع مراعاة طبيعة التخصصات والبرامج التكوينية.
وحول وضعية مراكز الفتاة الريفية أشار الى أن الوزارة عملت خلال سنة 2025 على إعداد تصور مبتكر عبر تجديد وتقريب خدمات التكوين المهني وريادة الأعمال بما ينسجم مع التّطوّر الاقتصادي والاجتماعي للأوساط الرّيفيّة وتحويل مراكز الفتاة الريفية إلى أقطاب تنموية للتكوين وريادة الأعمال في عديد الجهات.
أما بالنسبة للخارطة التكوينية فقد تم تنفيذ دراسة استراتيجية حول تعديل هذه الخارطة في علاقة بهرم الكفاءات وحاجيات القطاعات الاقتصادية وسوق الشغل والتنمية الجهوية والمحلية وتعتمد مخرجاتها في تطوير عروض التكوين.
وفي تفاعله مع مقترح احداث مراكز إقليمية للتكوين اكد الوزير أهمية اعتماد مقاربة اقليمية في المجال وسيتم دراسة المقترح المتعلق بإحداث مراكز إقليمية في شكل أقطاب وفي شراكة مع الشقيقتين ليبيا والجزائر ، كما شدد على أهمية ربط المعطيات المسجلة بالمدونة الوطنية للكفايات ولشهادات التكوين المهني مع المصنف الأوروبي للكفايات والمهن والشهادات لتعزيز تنقل المهارات والاعتراف بها